الخميس 2016/05/05

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

الرواية الكاملة لاستعصاء المعتقلين في سجن حماة

الخميس 2016/05/05
الرواية الكاملة لاستعصاء المعتقلين في سجن حماة
نحن نعلم أن النظام سيضغط علينا بالحصار، فلا مجال لدينا لحسم الموضوع، والمهلة تنتهي الخميس (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أفرجت قوات النظام، فجر الخميس، عن 14 معتقلاً من سجن حماة المركزي، ضمن سياق المفاوضات الجارية بين النظام من جهة والمعتقلين الذين يكملون يومهم الرابع من الاستعصاء الذي بدأوه في 2 أيار/مايو. وآخر المعلومات من داخل السجن، تشير إلى اتجاه المعتقلين إلى طلب "ضمانة دولية" لانهاء استعصائهم، وتُرك الخيار للنظام الذي يعمل على التصعيد بالقوة، لفك الاستعصاء.

وتضاعفت أعداد قوات "حفظ النظام" المطوقة لسور السجن، ظهر الخميس، ورفض المعتقلون تسليم دفعة من 15 معتقلاً جديداً وافق النظام على إخلاء سبيلهم، بسبب عدم وجود أمر رسمي باطلاق سراحهم. وحالياً، تردد قوات النظام عبر مكبرات الصوت، أن أمام المعتقلين ساعة واحدة لتسليم الـ15، أو ستقوم باقتحام السجن.

وقال معتقل في السجن لـ"المدن": "حالياً طالبنا بضمانة دولية، كالصليب الأحمر، أو إصدار مرسوم للافراج عن 491 معتقلاً كان النظام قد وعد بإخلاء سبيلهم". المعتقل كان قد أكد أن النظام سيفرج عن 15 معتقلاً جديداً، الخميس، وأن وفداً من رجال دين ومشايخ من حماة وصل إلى السجن للتفاوض مع المعتقلين، وكان رد المعتقلين أنهم لا يُريدون تضييع الوقت معهم، في ظل تحشيد عسكري متزايد لقوات النظام في محيط السجن. وجميع المعتقلين الذين تم إخلاء سبيلهم حتى الساعة هم من ضمن الـ491 معتقلاً كان النظام قد وعد بالإفراج عنهم.

وبدأ الاستعصاء، بعد محاولة الشرطة نقل 4 معتقلين من سجن حماة إلى سجن صيدنايا، فرفض المعتقلون في جناح "الإرهاب" تسليم زملائهم الأربعة، وقاموا باحتجاز 9 عناصر من الشرطة الذين أتوا لأخذهم، وبدأوا استعصائهم. وما لبث أن انضمت لاستعصاء المعتقلين بقية الأجنحة في السجن. وخلع السجناء أبواب المهاجع، وفتحوها على بعضها، وسيطروا على قسم المرافق في السجن، الذي يتضمن الفرن والمطبخ. وقام المعتقلون بتدعيم الباب الرئيس، عبر وضع الأبواب الحديدية والأسرة خلفه، ليصبح السجن تحت سيطرة المعتقلين والسجناء، ما عدا سطح السجن وبناء مكاتب الضباط.

في هذه الأثناء، جلب النظام قوات "حفظ النظام" وقوات الأمن مدعمة بسيارات الدفع الرباعي والمزودة برشاشات الدوشكا إلى محيط السجن وساحة الباب الرئيس، وتمركزت قوات "حفظ النظام" على سطح السجن. وبدأت أول محاولة لاقتحام السجن، مساء الإثنين، بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع إلى داخل الأجنحة، والرصاص الحي في الهواء، ما تسبب بحدوث حالات اختناق في صفوف المعتقلين، تمكنوا من التعامل معها من دون حدوث إصابات خطيرة.

وبعد فشل محاولة الإقتحام، بدأ المسار التفاوضي، بين الشد والجذب، من قبل النظام، وسط التهديد والوعيد تارة، واللين تارة أخرى. فقطعت الماء والكهرباء عن السجناء، مرات متعددة، وحاولت قوات الأمن و"حفظ النظام"، بمحاولة اقتحام ثانية في 4 أيار/مايو. محاولات الاقتحام كانت تتلو كل تعثر في المفاوضات بين الطرفين.

وأفرجت قوات النظام، الثلاثاء، عن 32 معتقلاً كدفعة أولى، بوساطة "الهلال الأحمر السوري"، وتوجه ثمانية منهم إلى قلعة المضيق في المناطق المحررة، فيما فضل البقية أن يذهبوا إلى منازلهم في المناطق التابعة لسيطرة النظام في حماة.

النظام قام بتحييد "الهلال الأحمر"، عن عملية الإفراج الثانية، فجر الخميس، وطُلب من عناصر الهلال مغادرة محيط السجن، وتم تسلم الدفعة الثانية من المعتقلين من قبل قائد شرطة حماة، وهو من تولى عملية إيصالهم إلى قلعة المضيق.

معتقل من داخل سجن حماة المركزي، قال لـ"المدن"، إن هذا الاستعصاء ليس الأول من نوعه، بل هو الثالث خلال العامين الماضيين، وقد "اكتسبنا خبرة من الاستعصاءات السابقة ومن تجارب أخرى كتجربة استعصاء صيدنايا. وأهم ما يميز هذا الاستعصاء هو التنظيم والسلمية، فلا توجد أي قطعة سلاح لدى المعتقلين، و"لا نريد أن يتحول هذا الاستعصاء إلى استعصاء مسلح وعناصر الشرطة الأسرى لدينا، هم بحالة جيدة ولم يتم الإساءة إليهم، كما أن هناك سجناء معروفين بعلاقتهم مع النظام لم تتم الإساءة إلى أي منهم، ولم يسجل أي انتهاك داخل السجن، وقد تم تشكيل لجان لإدارة شؤون السجن بتنظيم كبير"، بحسب كلام المعتقل لـ"المدن".

ويبلغ عدد المعتقلين في جناح "الإرهاب" حوالي 850 معتقلاً، منهم 441 معتقلاً مازالوا ينتظرون محاكمتهم أمام في "محكمة الإرهاب" غير الدستورية. و"جناح الإرهاب" خاص بالمعتقلين السياسيين ومناهضي النظام السوري، الذي ابتكر "محكمة الإرهاب" للاقتصاص منهم، باحكامها الجائرة، ومحاكماتها غير القانونية. وفي بقية الأجنحة، يوجد حوالي 350 سجيناً بتهم السرقة وتعاطي والاتجار بالمخدرات والقتل. ما يجعل العدد الكلي للمعتقلين هو 1200 سجين. ومنذ بداية الاستعصاء قام السجناء بتنظيم المهمات؛ هناك من قام بصنع الخبز والطبخ، وهناك من أدار أمور النظافة، وهناك اللجنة المسؤولة عن التفاوض مع النظام.

مصدر "المدن"، المُعتقل في "سجن حماة المركزي"، قال إن التفاوض مع النظام أشبع بعملية عض على الأصابع، وإن النظام قدّم عروضاً كانت تتغير من حين إلى أخر، ولكن الأهم أن المُعتقلين نجحوا في إجبار النظام على تنفيذ إجراءات كسب الثقة، والتي كانت عبارة عن الإفراج عن دفعتين من المعتقلين.

العرض الذي قدمه النظام، الأربعاء، تضمّن تسليم السجناء المستعصين للطابق الأرضي من السجن لإدارة السجن، مقابل الإفراج عن 491 معتقلاً بضمانة "الهلال الأحمر" وتجار من حماة. مصدر "المدن" قال إن الـ50 معتقلاً إضافياً الذين عرض النظام اطلاق سراحهم مع الـ441 المنتظرين محاكمتهم أمام "محكمة الإرهاب" هم "شوباش" أو "بخشيش" من رئيس "مكتب الأمن القومي" اللواء علي مملوك. وبالنسبة للوضع القانوني لمن أفرج عنهم ومن سيفرج عنهم، فهو مصنف ب"تحت المحاكمة" أي أن المفرج عنهم في حالة إخلاء سبيل، في انتظار محاكمتهم أمام "محكمة الإرهاب".

وأعطى النظام السجناء، مهلة حتى منتصف ليلة الأربعاء/الخميس، لحسم الموضوع أو يتم اقتحام السجن من قبل قوات النظام. بعدها خرج وفد من المعتقلين من البناء الذي يستعصون فيه، للتفاوض، ثم عاد أحد المفاوضين، بعد تمديد المهلة ساعة، للتشاور مع بقية المعتقلين، حول عرض جديد قدمه النظام، وتضمن: أن يبقى معتقلو جناح "الإرهاب" في جناحهم، على أن يتم تشكيل إدارة مشتركة مع إدارة السجن، وخلال شهر تتم تسوية أوضاع الـ491 معتقلاً، ومتابعة  اجراءات التسوية للبقية.

بعد ذلك عاد الوفد التفاوضي بالطرح النهائي، وتضمن، مهلة حتى صباح الخميس، لاتخاذ قرار حول أحد خيارين: الأول، متابعة السجناء للاستعصاء وتحمل تبعات ذلك، مع نبرة تهديد صريح من قبل وفد النظام المفاوض، أو أن يقوم المعتقلون بفتح الأبواب، لتعود الأمور كما كانت سابقاً مقابل الإفراج عن 491 معتقلاً خلال شهر رمضان، وعدم مساءلة أي من المعتقلين حول مشاركتهم في الاستعصاء.

مصدر "المدن" قال إن الضمانات هي المشكلة الأساسية في التفاوض مع النظام، ففي البداية كانت هناك ضمانات من "الهلال الأحمر" وبعض تجار حماة، ثم تم تحييد "الهلال الأحمر" لتصبح الضمانات "مسكة شوارب من نائب وزير الداخلية". وقد طالب المعتقلون، منذ البداية بوساطة "الصليب الأحمر الدولي"، ولكن الردّ كان بأن "الصليب الاحمر" بحاجة إلى 10 أيام كي يصل إلى السجن، كذريعة لرفض النظام مشاركة "الصليب الأحمر" كونه جهة دولية.

المعتقلون حاولوا التواصل مع فريق المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا، كونه كان قد عيّن نائباً له مسؤولاً عن ملف المعتقلين، فجاء الردّ بأن ديمستورا يتابع ما يحدث من وراء الكواليس.

أغلب المُعتقلين هم مع متابعة استعصائهم، ولكن المشكلة أن المؤن الموجودة في المستودعات، تكفي لأربعة أيام مع التقشف. مصدر "المدن" قال: "نحن نعلم أن النظام سيضغط علينا بالحصار، فلا مجال لدينا لحسم الموضوع، والمهلة تنتهي الخميس".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها