الجمعة 2016/04/29

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

"داعش" و"الوحدات" يضيقان الخناق على المعارضة الحلبية

الجمعة 2016/04/29
"داعش" و"الوحدات" يضيقان الخناق على المعارضة الحلبية
استعراض الجثث، ومظاهر الاحتفال به، كان مشهداً فاشياً، أشبه بما تقوم به "الدولة الإسلامية" (خالد الخطيب)
increase حجم الخط decrease
خسرت المعارضة المسلحة أكثر من 50 مقاتلاً، الأربعاء، خلال المعارك العنيفة التي شهدتها بلدة عين دقنة ومحيط مطار منغ ومشارف مدينة تل رفعت، مع مليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية، الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديموقراطي". والـ"وحدات" تقود مليشيا "قوات سوريا الديموقراطية" التي تشارك فيها مليشيا "جيش الثوار" في عفرين وريفها، شمال غربي حلب.

وكانت المعارضة المسلحة، متمثلة بكتائب عسكرية محلية، من مارع وتل رفعت وإعزاز والريف المحيط، بالإضافة لكتائب تابعة إلى "فيلق الشام" و"جيش السنّة" و"أحرار الشام" وغيرهم، قد شنوا هجوماً واسعاً صباح الأربعاء، من ثلاثة محاور، ضد معاقل مليشيات "وحدات الحماية" الكردية و"جيش الثوار". ومهدت المعارضة لتقدمها بقصف مكثف بالمدفعية والهاون وصواريخ غراد، طال الخطوط الأمامية للقوات المستهدفة، ومن ثم تقدم المقتحمون بثلاث مدرعات وعدد كبير من سيارات رباعية الدفع، ودخلوا فعلياً مواقع متعددة، من بينها بلدتا عين دقنة والبيلونة، واشتبكوا مع التنظيمات المسلحة الكردية التي انسحبت من مواقعها بداية الأمر، على خلفية الهجوم المفاجئ ضدها، بعدما تكبدت خسائر في صفوفها تجاوزت 20 عنصراً.

وما هي إلا ساعات حتى عادت مليشيات "وحدات الحماية" و"جيش الثوار" بتعزيزات ضخمة، لتلتفا على كتائب المعارضة التي تمركزت في مواقعها الجديدة، وتحاصرها في أكثر من موقع، وتقطع عنها جميع طرق الإمداد. واستفردت المليشيات بالمجموعات المحاصرة، بشكل شبه كامل. وتمكنت بعض مجموعات المعارضة من الإنسحاب، في ظل هجوم ناري كثيف من قبل "وحدات الحماية" و"جيش الثوار" بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، الأميركية والروسية.

ونظّمت مليشيا "الوحدات" بالاشتراك مع "جيش الثوار"، الخميس، كرنفالاً احتفالياً جاب شوارع مدينة عفرين، معقلها شمال غربي حلب، حُملت فيه جثث أكثر من خمسين مقاتلاً معارضاً على ظهر شاحنة "حاملة مدرعات"، وسط فرحة عارمة بين مؤيدي "الاتحاد الديموقراطي" والمليشيات المسلحة التابعة له في عفرين. استعراض الجثث، ومظاهر الاحتفال به، كان مشهداً فاشياً، أشبه بما تقوم به "الدولة الإسلامية".

ونشرت مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي لموالي "الاتحاد الديموقراطي"، صوراً لجثث عشرات القتلى من المعارضة، ممددين على الأرض وعلى ظهر الشاحنة، وقد تعرض بعضها للتشويه وتهشمت وجوههم. كما ظهرت صور "سيلفي" لبعض مؤيدي الحزب الكردي، وخلفهم جثث الضحايا.

المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشامية" العقيد محمد الأحمد، أكد لـ"المدن" أن ما قامت به مليشيات "وحدات الحماية" و"جيش الثوار"، هو نقطة فاصلة في مشهد الحرب الدائرة في ريف حلب الشمالي. ويعكس التصرف غير الأخلاقي لـ"الوحدات" وتمثيلها بجثث القتلى، مدى العداء الذي تكنه تجاه المعارضة. الأحمد، أكد أن تلك المليشيات باتت لا تقل خطراً عن تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يحاول تطويق وحصار المنطقة، والقضاء على المعارضة بالقرب من الحدود السورية التركية شمالي حلب.

وأضاف العقيد الأحمد: "الوحدات الكردية تكذب عندما تقول إن شهداء المعارضة الذين جابت بهم شوارع عفرين تابعين لجبهة النصرة وأحرار الشام الإسلامية لا من الجيش الحر، لتوهم العالم أن هذه المنطقة التي تحارب فيها لا وجود فيها للجيش الحر، وإنما فقط فصائل إسلامية". لكن الواقع مختلف، فالذين شنوا الهجوم من المعارضة، هم من أبناء القرى والبلدات العربية، في دير جمال وعين دقنة ومنغ وتل رفعت وكفرخاشر ومريمين وغيرها، ممن هجّرتهم مليشيا "الوحدات" عن ديارهم مطلع شباط/فبراير، بعد احتلالها لقراهم وبيوتهم وأراضيهم، وسلبها، في عملية تغيير لهوية الأرض وأصحابها.

وأشار العقيد الأحمد، إلى أن من بين الشهداء الذين مثلت بجثثهم "وحدات الحماية" وعرضت صورهم، معتقلين من المعارضة، كانوا في سجون "الوحدات" التي قامت بتصفيتهم. وهم من الجيش الحر من أبناء المناطق الذين لم يستسلموا لاحتلال "الوحدات" لأرضهم، ولن يستسلموا حتى تعود كامل أرضهم لهم.

عملية المعارضة العسكرية الأخيرة ضد مليشيا "الوحدات"، وُصفت بغير المدروسة، ولم تحظَ بإجماع كل الفصائل العاملة في الشمال الحلبي، التي تكرس كامل جهدها على جبهات "الدولة الإسلامية". ولم تتلقَ قوات المعارضة المقتحمة الدعم الكافي، ما عرضها لكارثة، أودت بحياة خمسين من عناصرها، في مجزرة مروعة.

ولم تعد القوى العسكرية والمليشيات الكردية و"جيش الثوار"، نداً ضعيفاً كما عهدته المعارضة طيلة السنوات المنصرمة، حينها كانوا يهادنون كلما ضاق عليهم الخناق. المليشيات التي تستظل تحت "قوات سوريا الديموقراطية" أصبحت اليوم تثأر بعنف لماضٍ كانت فيه الحلقة الأضعف في الشمال الحلبي، وحلب عامة، وباتت تظهر وحشيتها في مشهد انتقامي صادم، وذلك تبعاً لجملة الظروف المؤاتية والدعم المتنوع من قبل النظام وروسيا وأميركا. فالسلاح المستخدم خلال المعركة الأخيرة يوضح مدى قوتها وتنوع مصادر دعمها.

من جهتها، المعارضة المسلحة ليست بأحسن حالاً، على جبهاتها الشرقية شمالي حلب، مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي كبدها خسائر كبيرة خلال اليومين الماضيين. وقُتل للمعارضة 20 مقاتلاً، خلال المعارك التي أسفرت عن سيطرة التنظيم على خمس قرى وبلدات قريبة من إعزاز، من بينها يحمول وجارز، على بعد كيلومترات معدودة.

وتحاول فصائل المعارضة المنضوية في "غرفة عمليات حوار كيليس" جاهدة تغيير المشهد الكارثي الذي أوجده التنظيم، من خلال هجماته المرتدة التي تحصد أرواح مقاتلي المعارضة بالعشرات في كل مرة، ويستعيد خلالها، عدداً كبيراً من المواقع والبلدات التي خسرها، في غضون ساعات، بعد أن تكون المعارضة قد سيطرت عليها خلال مدة زمنية طويلة، وبذلت من أجلها الكثير من التضحيات في العتاد والأرواح.

تبدو المعارضة المسلحة في ورطة حقيقية في الشمال، وتستنزفها المعارك المستمرة على جبهتي القوى الكردية والتنظيم بشكل كبير، من دون أن تحقق أي تقدم يذكر. لا بل على العكس يزداد الأمر سوءاً وتحرز القوى المعادية لها تقدماً إضافياً ليضيق الخناق عليها أكثر فأكثر في مشهد يتوازى بطبيعة الحال مع الحملة الجوية التي يشنها كل من النظام وروسيا في حلب تحضيراً لمعركة كبرى، ربما تكون القاضية على وجود المعارضة في حلب، من شمالها إلى جنوبها، وفي قلبها المحرر، وبتكاتف كل القوى والتنظيمات والمليشيات الموالية للنظام، بشكل أو بأخر، بمن فيهم "الدولة الإسلامية" و"وحدات الحماية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها