الثلاثاء 2016/03/01

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

الطائفية السياسية ودور "المواطنة" والهوية العربية بتجاوزها

الثلاثاء 2016/03/01
الطائفية السياسية ودور "المواطنة" والهوية العربية بتجاوزها
من إحدى جلسات مؤتمر المركز في الدوحة
increase حجم الخط decrease
نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة مؤتمرا علمياً استمر ثلاثة أيام (27-29 شباط / فبراير 2016) بعنوان: "الشيعة العرب: المواطنة والهوية العربية"، وشارك فيه نخبة من الباحثين المتخصصين واستمر الإعداد له بين الدعوة للكتابة والتحكيم عشرة أشهر. وعكست الأوراق المقدمة في المؤتمر والتي بلغ عددها نحو 35 ورقة، الرؤية التي وضعها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تناول الموضوع من خلال مؤتمر أكاديمي علمي خضعت جميع أوراقه لتحكيم علمي دقيق. وحين تعلق الموضوع بالطائفية، التزمت الأوراق نقد الطائفية بمنهجٍ علمي، بتفكيك أساطيرها المكوّنة وفضح دورها السياسي، والمصالح التي تحرّكها. كما أكّد المؤتمر على عروبة الشيعة العرب التي يمكن أن تمثل عاملا رئيسا في تجاوز التوتر الطائفي، إضافة إلى التأكيد على ضرورة ترسيخ مفهوم "المواطنة" ضامنا للتماسك في المجتمعات العربية المتعددة الطوائف.



المواطنة لتجاوز الطائفية والعروبة رابط محوري

أكد الدكتور عزمي بشارة في ورقة قدمها في افتتاح المؤتمر أن مصطلح "الشيعة العرب" مثله مثل "السنة العرب" لا يشير إلى جماعة محليّة يقابل الإنسان أعضاءها مباشرة في حياته الخاصة، بل إنها جماعةٌ متخيلة يساهم في صنعها تزامن الطقس الديني في مناطق مختلفة من الوطن العربي، وتساهم وسائل الاتصال والإعلام في تبيين هذا التزامن. "الشيعة العرب" جماعة متخيلة أداة تخيلها قائمة في السياسات العربية والإقليمية المعاصرة وأدوات الاتصال الحديثة. وقد ظلت طوائف محلية مندمجة في مجتمعاتها الوطنية ومتداخلة مع محيطها حتى ساهم مؤخرا التشيّع السياسي في "تخييلها" كطائفة واحدة ، وغيرهما. ولكن العامل الرئيس كان قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي، وما زال كذلك.

وناقش بشارة فشل المشروع القومي العربي كما الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال في تجاوز الانقسامات الطائفية وتأسيس المواطنة، مشددا على أن المسؤول هو أدلجة العروبة من جهة، والتخلي عنها من أجل السلطة من جهة أخرى، ولا سيما حين استعانت الأنظمة الحاكمة بالولاءات الجهويّة والعشائريّة في إحكام القبضة على جهاز الدولة وخصوصا جهاز الأمن، فاعتمدت على ولاءات "ما دون الدولة" وهي تهتف لولاء عربي "فوق الدولة". هذا النكوص إلى الولاءات العشائرية والجهوية سمح للمتضررين الكثر من النظام بتفسيره كطائفيّة مقنعة حزبيا، متدثّرة بالقوميّة كما في حالة النظر إلى النظام السوري كنظام علوي، وإلى النظام العراقي السابق كنظام سني. في هذه الحالة صيغت المظلومية بلغة طائفية مع أن الظلم صيغ بلغة قومية.


وأشار الدكتور عزمي إلى حقيقة تاريخية أن أيَّ بلد عربي لم تحكمه يوماً الأقليةُ المؤلفة من أتباع مذهب بعينه، كما لم تحكمه الأغلبية من أتباع مذهب آخر. في حين شقت الصراعات المجتمع الوطني عموديا متخذة شكل انقسام طائفي. وقامت قيادات سياسية بالتنافس في ما بينها على أساس التحشيد خلف الهوية الطائفية، وعرّفتها كعابرة للمكان على طول الوطن وعرضه، وكعابرة للزمان بمعنى أن لها تاريخ متصل، وهو غالبا تاريخ من المظلومية. وهكذا جرى اختراع كيان هو الطائفة على المستوى الوطني، وعلى مستوى التاريخ، وجرت إزاحة الانتماء من الطائفية المحلية ذات التاريخ المحلي المرتبط بالناحية، إلى الطائفية كجماعة متخيلة عابرة للزمان والمكان وكأنها تشكل أمة بديلة.


وختم المحاضر حديثه بالقول: إن أي عروبة مستقبلية يمكن تخيلها كجامع بين السنة والشيعة لن تكون بديلا عن المواطنة، ولا هي أساس المواطنة. العضوية في الدولة على أساس حقوقي، وليس العضوية في الجماعة، هي المواطنة الممكنة في دول متعددة الانتماءات والهويات والثقافات. لكن العروبة رابط ثقافي تاريخي يجمع الأغلبية، ولا يمكن تجاهله. وقد لاحظنا مؤخرا قوته في نشر الأمل من دولة عربية إلى أخرى في عام 2011 والتداول السريع لمصطلح: الربيع العربي"، كما شهدنا انتشار الإحباط من دولة عربية إلى أخرى في العام 2013. إنه رابط قائم لا فائدة ترجى من إنكاره، بل وتنجم أضرار ملموسة عن مثل هذا الإنكار... ولكن التجربة تثبت أن الرابط العربي هذا يفقد كثيرا من فاعليته في حالة الظلم والاستبداد، فهو يعجز حين يجري تهميش جماعات كاملة في الدولة. ويصعب تفعيل العروبة كمشترك عابر للطوائف في ظل الدولة القائمة من دون ترسيخ المواطنة فكرةً وممارسة.



مسارات تاريخية

أخذ البحث في جذور التشكل الطائفي لـ"الشيعة العرب" حيزا من الجلسات الأولى للمؤتمر، وقد حملت الجلسة الأولى عنوان "المسألة الطائفية وعتبات ولادة التشيّع العربي الحديث"، كما تناول عدد من الأوراق الأوجه التاريخية للتشيع في عدد من الأقطار العربية ضمن جلسات أخرى خصصت تحديدا لمناقشة أعمق لموضوع الشيعة والطائفية في كل بلد على حدة. وركزت أغلب المساهمات التاريخية في الموضوع على بزوغ التشيع والتطييف في كنف الصراع العثماني الصفوي.

تطرق الباحث الطاهر بن يحيى في مداخلته التي حملت عنوان "تعدد الهويات النصية والأصول البعيدة للصراع السني الشيعي"، إلى وجاهة ما يردده الكثير من الناس في كون جوهر الصراع الطائفي بين السنة والشيعة يعود إلى أسباب سياسية ومن دون شك، وللأسباب السياسية دورها في تحويل الصراع، من كونه مجرد صراع فكري أو أيديولوجي إلى أن يكون صراعا مسلحا، لكن لا يبدو أن هذه الأسباب السياسية من انتهاك الحريات الفردية إلى اضطهاد الأقليات الدينية، قادرة لوحدها على تفسير طبيعة ما تشهده المنطقة من اصطفافات وتحالفات وعلى تفسير هذه الموجة الأيديولوجية التي تجتاح السلطة السنية، والتي تستخدم ضد الشيعة بل ضد التشيع خطابا إقصائيا مغرقا في الإقصائية، يصبح الشيعة بمقتضاه أعداء لـ" الملة " وورثة لـ"عقائد المجوس" وخطرا على مبدأ التوحيد، وإذا أضفنا ما تشهده بعض دول الأطراف التي تتميز بانسجام مذهبي وطائفي، من قبيل المغرب وتونس، من استنفار بعض الأجهزة الرسمية وبعض جمعيات المجتمع المدني، تحذيرا مما أصبح يصطلح عليه "التشيع السياسي" تأكدنا من أن العامل السياسي مجرد "عرض" لـ"جوهر" توارثناه من دون تمحيص ولا إعادة نظر، ولا يختلف العقل الأرثوذكسي السني في هذا المجال عن العقل الشيعي الأصولي، فالعقلية الإقصائية أعدل قسمة بين الفرق الإسلامية. لهذه الأسباب وغيرها، أرجع الباحث جانبا مهما من هذا التوتر إلى رواسب الفترات التأسيسية الأولى في تاريخنا القديم، هذه الرواسب هي نتيجة لطريقة، بل طرق مخصوصة في تمثل الماضي، لا علاقة لها بالضرورة بما حدث، بل بما يحتمه المتخيل الديني من إيمان بحقائق تاريخية مطلقة، لم تنل حظها الكافي في المراجعة النقدية والتحليل العلمي المتعالي عن الانتماء المذهبي الموروث أو السياسي المستجد.


أما الباحث سيار الجميل فجاءت مداخلته بعنوان "مؤتمر النجف عام 1156: الأسبقيات والتداعيات". وقدّم فيها دراسة في أول حوار فكري بين التشيع الصفوي والمدافعين عن التشيع العربي، معرجا على أهمية مؤتمر النجف برعاية نادر شاه إيران إثر فشله في حصار الموصل سنة 1743، وكان الصراع الطائفي بين الصفويين والعثمانيين أحد أسباب انعقاده. وعقد المؤتمر بحضور 70 عالما من الدولة الصفوية معهم عالم سني واحد.

التشيع القطري والجماعة المتخيلة

كرّس عدد من جلسات المؤتمر التي بلغ مجموعها إحدى عشرة جلسة، لدراسة وتحليل دور الشيعة وممارساتهم السياسية في بعض أبرز الأقطار العربية متعددة الطوائف. وقد خصصت جلسات لمناقشة شيعة العراق وأدوارهم وتحولاتهم عبر المراحل التاريخية المختلفة التي مر بها العراق وعلاقاتهم بالنزعة التوسعية الإيرانية التي تتخذ المذهب الشيعي والتشييع أداة رئيسة في ذلك. ومن بين الأوراق المقدمة في هذا المحور ورقة الباحث عقيل عبّاس بعنوان "التشيّع العراقي بين المعرفة الطهرانية والوطنية العراقية"، وورقة لحارث حسن عن "الرابطة الشيعية فوق - الوطنية والدولة الوطنية في العراق" وورقة بعنوان: "شيعة العراق وضغط الهوية الدينية" حيدر سعيد. كما ناقش الباحث مؤيد الونداوي "الدور الوطني والقومي للشيعة العرب في العراق في الفترة 1958 – 1945"، إضافة إلى أوراق أخرى حللّت واقع الشيعة في العراق قدمها باحثون عراقيون مثل أحمد علي العيساوي وعصام العامري. وأفردت جلسة كاملة لتحليل وضع الشيعة في الحكم متخذة من العراق نموذجا، وشملت أوراق: "الشيعة في الحكم: حالة العراق بعد 2003، من الإقصاء إلى الهيمنة" للباحث سليم فوزي زخّور، و"ملامح الخطاب والسياسات الشيعية في العراق منذ سقوط الموصل" للباحث رافد جبّوري، و"توظيف الطقوس الحسينية للمجال العام" للباحثة بشرى جميل الراوي.

وخصصت إحدى جلسات المؤتمر لمناقشة المسألة الشيعية في الخليج، قدم فيها الباحث بدر الإبراهيم ورقة بعنوان "المسألة الشيعية في الخليج: سطوة البنى التقليدية والتسييس المذهبي"، وتشارك حسن عبد الله جوهر وحامد حافظ العبد الله في عرض بعنوان: "الشيعة والمشاركة السياسية في الكويت"، فيما ناقش عبد الله الشمري "العامل الشيعي في العلاقات السعودية - العراقية ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق".


وفي سياق الجلسات التي خصصت لشيعة لبنان، قدم الدكتور وجيه كوثراني ورقة بعنوان: "من الشيعية العاملية إلى الشيعية السياسية وأحوالها في لبنان"، فيما حاضر رغيد الصلح عن "الشيعة في لبنان ونظام الديمقراطية التوافقية".


وتناولت إحدى الجلسات مسألة الشيعة والتشييع في اليمن والمغرب العربي، مثلما ناقشت جلسة أخرى واقع الشيعة العرب داخل إيران.


وفي إطار المحاور التي حاولت مقاربة الشيعة العرب من المنظور التحليلي للأدوار والعلاقة مع السياسة والمجتمع، خصصت جلستان من جلسات المؤتمر لموضوع "المؤسسة الدينية الشيعية العربية ودورها الاجتماعي والسياسي". وقدمت خلال الجلستين أوراق تناولت إشكالية المواطنة وعلمانية الدولة والدولة المدنية في المنظور الشيعي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها