السبت 2016/02/06

آخر تحديث: 15:48 (بيروت)

الانتخابات الاميركية: إيقاظ المرشحين من أحلام الرئاسة

السبت 2016/02/06
الانتخابات الاميركية: إيقاظ المرشحين من أحلام الرئاسة
دمية للمرشح الجهوري دونالد ترمب في تجمع لعصبة اتحاد المواطنين الأميركيين اللاتينيين (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

للمرة الأولى، عندما نطقت صناديق الاقتراع الأميركية، في ماراتون انتخابات الرئاسة الطويل، قالت كلاماً ذي معزى. أيقظت ابرز نجوم مرشحي الحزب الجمهوري دونالد ترمب من احلام استطلاعات الرأي الوردية، لتدنيه من الواقع السياسي قليلاً بعدما حلق طويلاً بأجنحة من مشاعر عنصرية تمتزج بالشعبوية، وخففت من اندفاعة المتصدرة لترشيح الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون على مطبات يسارية لم يعد ممكناً تجاهلها، وأطاحت باحلام اربعة مرشحين من الطرفين دفعة واحدة التحقوا بستة غيرهم لم يبلغوا دورة الإنتخاب الأولى.

بعد صيف طويل، وخريف مثير، وثلث شتاء، قالت الصناديق الإثنين الماضي كلمتها في اول انتخابات تمهيدية في ولاية ايوا الزراعية، الواقعة في الغرب الأوسط، والتي تطلق رسمياً اشارة البدء في موسم الإنتخابات التمهيدية لإختيار مرشحي الحزبين الكبيرين اللذين يتنافسان وطنياً في الخريف المقبل. بشيء من الدقة لم تكن الجولة الأولى انتخابات بالمعنى التقليدي، بل هي عبارة عن ملتقيات حزبية تلتئم في حوالى 1500 مركز في مقاطعات الولاية التسع والتسعين، لاختيار مندوبي الحزبين (44 من الحزب الديموقراطي، و30 من الحزب الجمهوري) الى المؤتمرين الوطنيين اللذين ينعقدان في الصيف لتزكية المرشحين، تمهيداً للإنتخابات.


كانت الحصيلة الأولى مليئة بالمفاجآت؛ في الشق الجمهوري الأكثر انفعالاً وتشعباً، وبعد اسابيع من نتائج استطلاعات الرأي المتعددة التي اعطت جميعها، وخصوصاً في الأيام القليلة التي سبقت الإنتخابات التمهيدية، رجل الأعمال "السوقي" الشعبوي دونالد ترمب الأفضلية بفارق كبير دون منازع، حل السيناتور المتزمت من ولاية تكساس تيد كروز في المرتبة الأولى بفارق مريح عن ترمب، الذي حل ثانياً بفارق ضئيل عن السناتور ذي الأصل الإسباني الآخر ماركو روبيو، ليحل الجراح الأسود بن كارسون رابعاً على مسافة بعيدة، وليتقاسم من تبقى من المرشحين نسبة الأقل من عشرين بالمئة التي تركها لهم الأربعة الاوائل.


بطبيعة الحال، لم يكن هناك نقص في الإتهامات المتبادلة بين المرشحين ياستخدام اساليب ملتوية للتأثير على المقترعين، وكان صوت ترمب الأكثر ارتفاعاً ضد كروز. كذلك لم يكن هناك نقص في التحليلات والتعليقات، وإن كانت النتيجة المحققة تعني أن نجومية ترمب، الذي كان يقدم برنامجاً ترفيهياً على التلفزيون، كوّنت له معجبين أكثر مما وفرت له مقترعين، مصداقاً لوصف السياسي المخضرم والمرشح الرئاسي الجمهوري السابق السيناتور جون ماكين، الذي يعتبر ترشيح ترمب وحملته ظاهرة "كارداشيانية".


تمثلت الآثار الأولية للإنتخابات جمهورياً، في اعلان ثلاثة من المرشحين عزوفهم عن اكمال حملاتهم الإنتخابية، وهم السناتور الذي يمثل جناح الأحرار في الحزب راند بول، وحاكم ولاية اركنساه السابق مايك هاكابي، والسناتور السابق عن بنسلفانيا ريك سانتوروم، لينضموا الى خمسة مرشحين آخرين سبق لهم التخلي عن مسعاهم الرئاسي ليصبح الميدان الجمهوري مقتصراً على ثمانية مرشحين، هم بالإضافة الى الذين حلوا في المراتب الأربع الأولى، حاكم فلوريدا السابق جب بوش شقيق الرئيس السابق جورج بوش الإبن، وحاكم ولاية اوهايو جون كايسك، وحاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي، والرئيسة السابقة لشركة "ايتش . بي" كارلي فيورينا.


في الجانب الديموقراطي، لم تكن انتخابات أيوا سهلة على هيلاري كلنتون، التي كانت تتقدم بفارق مريح في الإستطلاعات المتنوعة عن منافسها السيناتور بيرني ساندرز الذي كاد ان يتفوق عليها لولا فارق ثلاثة اعشار من واحد في المئة من الأصوات التي تعادلت في اكثر من دائرة، وترتب حسمها بالقرعة لإعلان النتائج، فيما لم يحقق المرشح الثالث الحاكم السابق لولاية ميرلاند مارتن اوميلي نتيجة تذكر، فأعلن انسحابه ليلتحق بزميله الحاكم السابق لولاية رود ايلاند لنكولن شافي، الذي اوقف حملته الإنتخابية بعد المناظرة التلفزيونية الديموقراطية الأولى في الخريف.


وعكست نتائج الإنتخابات الفارق الكبير بين اوضاع كلا الحزبين الكبيرين. ففي حين تسود الإختلافات الشخصية والمناكفات والمزاودات في الميدان الجمهوري، الذي يبدو وكأنه في سباق عدائي عنصري ذي نزعة عنفية ضد كل ما هو مختلف ومهاجر ولاجئ في الداخل وضد كل من في الخارج، يبدو جلياً أن الحزب الديموقراطي يتلمس بكثير من الحذر الطريق الى ما بعد رئاسة باراك اوباما.


بعيداً عن الضخ اليميني السلبي ضد أوباما، والذي ينسبه الكثير من المعلقين الى مشاعر عنصرية، تعتبر رئاسة أوباما الذي ورث اقتصاداً شبه منهار وبطالة قياسية وضموراً تنموياً عن سلفه بوش الإبن، ناجحة بجميع المعايير الإقتصادية والمالية وملبية لطموحات شرائح ليبرالية وتقدمية ويسارية واسعة في المجتمع الأميركي، لاسيما تمكنه من اقرار قانون الإصلاح الصحي، والتعديل الضريبي، واعادة تفعيل القطاع الإنتاجي، والحد من التورط العسكري الأميركي المباشر في الخارج. تفرض هذه النجاحات على المرشح الديموقراطي مواقف محددة من هذه الإنجازات التي يعتبر الغاؤها في رأس اولويات كل المرشحين الجمهوريين. اضافة الى ذلك، هناك قضيتان ملحتان تحتاجان الى موقف منهما، الهجرة، وهي المفاعل الرئيس لشد العصب الجمهوري، وتنظيم القطاع المالي الذي استعاد عافيته ومعها نفوذه السياسي الهائل الذي يمنع اقرار اية قيود ذات مغزى، خصوصاً في ظل الغالبية الجمهورية في الكونغرس.


أوحت نتائج أيوا التي فرضت نوعاً من التعادل الفعلي بين كلنتون وبين ساندرز بأن الجمهور الديموقراطي ليس مستعداً للعودة الى ما قبل اوباما، خصوصاً لجهة النفوذ الكبير للمؤسسات المالية، او العلاقة الحميمة بين الحكومة الفدرالية وبين الشركات الكبرى. وقد التقطت كلنتون هذه الإشارة بسرعة واستعجلت التموضع، على الأقل شفهياً، على يسار الحزب، وحرصت بعد الإنتخابات الأولى مباشرة على خوض معركة لفظية شرسة مع منافسها الوحيد فقط لأنه قال في مقابلة أنها تقدمية في بعض الأيام فقط. وللذين لا يعرفون أدبيات السياسة الأميركية كانت كلمة ليبرالي او تقدمي بمثابة تهمة لأي سياسي اميركي فقط قبل ربع قرن.


الآن، تتجه الأنظار الى المحطة التمهيدية الثانية في الموسم الطويل، حيث تجري اول انتخابات تمهيدية فعلية في ولاية نيوهمبشاير، الثلاثاء المقبل، والتي سيتقرر في ضوئها مصير اكثر من مرشح في الميدان الجمهوري، وخصوصاً جب بوش وكريس كريستي اللذين يواجهان منافسة مفاجئة تماماً من ماركو روبيو، الذي دخل ميدان السياسة الوطنية على موجة حزب الشاي ليتحول الى الطفل المدلل للمؤسسة الحزبية خلال الموسم الإنتخابي الراهن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها