الجمعة 2016/02/05

آخر تحديث: 13:43 (بيروت)

روسيا - تركيا: لماذا تقرع طبول الحرب؟

روسيا - تركيا: لماذا تقرع طبول الحرب؟
ليس هناك خلاف كبير بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران في القضية السورية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لم يكن لافتاً تصريح الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف، بأن "الأحداث الأخيرة على الحدود التركية-السورية، تُظهر نوايا أنقرة في الاستعداد لتوغل عسكري في سوريا"، بل إن كوناشنكوف كان متأكداً: "لدينا أسباب جدية للشك في إعداد مكثف من قبل تركيا لغزو عسكري داخل أراضي الشمال السوري". فمنذ أسابيع وبعض الصحف والمواقع الإخبارية تنشر أخباراً نقلاً عن "مسؤولين يرفضون ذكر أسمائهم" حول استعداد تركيا لدخول الأراضي السورية، ولكن هل تستطيع تركيا الدخول فعلاً؟

صحيح أن تركيا تقول إن موقفها من النظام السوري ودعمها للشعب السوري هو موقف إنساني، ولكن الأعمى يرى أن تأسيس إمبراطورية إيرانية من الصين إلى البحر المتوسط جنوبي تركيا هو ضرب للمصالح التركية في العمق. فالسياسة قبل كل شيء مصالح، يمكن أن تغلف هذه المصالح بالدين أو الإنسانية أو الأخلاق أو أي قيمة سامية أخرى.

طالما أن مصلحة تركيا هي إسقاط النظام السوري، وتأسيس نظام غير تابع لإيران، على الأقل، فلماذا لا تتدخل عسكرياً في سوريا؟ لندع التدخل جانباً، فتركيا حتى الآن لم تجرؤ على خرق الحظر المفروض دولياً على المجموعات المسلحة، والمعتدلة منها، بخصوص مضادات الطيران. وحتى فترة قصيرة، كان هذا السؤال أكثر ما يثير الاستغراب لدى المراقبين، ولكن تصريحات الولايات المتحدة الأميركية ومواقفها الأخيرة بددت كل الغيوم، وبانت السماء تماماً، فليس هناك خلاف كبير بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران في القضية السورية. ولعل الولايات المتحدة كانت تقدم مادة لما يسمى بـ"الممانعة" فقط بقولها إنها تدعم الشعب السوري.

فقد كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أسبق من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في عدم السماح لتركيا بدخول الشمال السوري، وقال ذلك علناً، حسماً للجدل المستمر على مدى أكثر من سنتين حول تشكيل مناطق آمنة في الشمال السوري.

تركيا منذ اليوم الأول، وفي تصريحاتها النارية، وخطوطها الحمر كانت دائماً ما تضمّنها شرط الموافقة الدولية. طبعاً الموافقة الدولية ليست من "مجلس الأمن" فهي تدرك أن هذا الأمر مستحيل، بل حلف "شمال الأطلسي" والولايات المتحدة الأميركية. وجهدت تركيا كثيراً للحصول على غطاء من أجل الدخول، وكثيراً ما ماطلت هاتان الجهتان -بالأحرى الولايات المتحدة. ولكن الإلحاح التركي، جعلها "تبق البحصة" على لسان الرئيس الأميركي شخصياً في مؤتمر "قمة العشرين" قبل شهور قليلة في مدينة أنطاليا التركية، بأن واشنطن غير موافقة على دخول تركيا إلى الأراضي السورية براً، وأن الدخول البري غير مجدٍ. علماً أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت برياً، وحتى إن هناك من صوّر مهبطاً للطائرات على الأرض السورية قيل إنه تابع للولايات المتحدة الأميركية، ولم تنفِ الولايات المتحدة هذا الخبر حتى الآن على الأقل.

القضية السورية شكلت عبئاً ثقيلاً جداً على تركيا، فلا يمكن فصل ما يجري على أرضها الآن من صراع سياسي وعسكري بمعزل عن القضية السورية، وبالأحرى بمعزل عن التنافس التركي-الإيراني، إذ مازالت تركيا تسميه تنافساً، ولكن إيران لا تتوانى عن تسميته صراعاً، وحرباً، ولا تخفي رغبتها بإسقاط الحكومة التركية الحالية، وبذلت في هذا الخصوص كثيراً من الجهود، وهناك أسباب موضوعية كثيرة أدت إلى فشلها حتى الآن.

تركيا قبل الدخول الروسي، وعندما كان الجو مناسباً أكثر، ولم تكن مواقف الولايات المتحدة بهذه الصراحة، رفضت تحمل وزر الدخول إلى سوريا وحدها، فما الذي يجعلها تدخل الآن بعد وجود عدو مثل روسيا حمل أعباء النظام بالنيابة عن كل الداعمين له سراً وعلانية، ويدعم كل من يعادي تركيا؟

بعد رفض الولايات المتحدة التحالف مع تركيا أو دعمها بالدخول براً لتأسيس منطقة آمنة، بحثت تركيا عن حلفاء آخرين يسدون الثغرة، ووجدت فرنسا وبريطانيا، وبالطبع هناك السعودية وقطر إقليمياً ولكن فرنسا بعد العمليات الإرهابية التي اجتاحتها تراجعت عن الفكرة، وبعد تراجع فرنسا، التزمت ريطانيا الصمت، فهل يمكن أن يحدث أمر كهذا مع السعودية فقط؟

السعودية انشغلت باليمن، وهي تدعم موقف تركيا، ولكن تركيا في الوقت نفسه كما قال رئيس الحكومة: "نحارب ثلاث منظمات إرهابية، هي داعش وحزب العمال الكردستاني وجبهة التحرر الشعبي الثوري"، وبمعنى آخر هي في أحرج وقت تعيشه في تاريخها الحديث، وهي بحاجة لدعم أكبر من دعم السعودية، وتريد أن يكون ظهرها مسنوداً بـ"الناتو" الذي لا يرى في القضية السورية تهديداً له، ولا يهمه إذا قتل حتى بضعة ملايين من السوريين، فهل يتحرك لبضعة مئات من الألوف؟

تركيا دولة صاعدة في المنطقة، واقتصادها بعكس ما تتوقع روسيا، فكل يوم يقول الروس إن الليرة التركية تتهاوى، ولا شيئ كهذا يحدث، حتى إن الأسبوع الأخير فقط شهد ارتفاعاً لليرة التركية مقابل الدولار وصل إلى خمسة عشر قرشاً، بينما الأخبار الروسية تقول إنها خسرت نسباً خيالية.

بماذا ردت أنقرة على تصريحات الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية؟ كان ردها عبارة أكثر من يحفظها هم السوريون: "روسيا بادعائها هذا تحاول أن تبعد الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها في سوريا. تركيا تحتفظ بحق اتخاذ كل الإجراءات التي تراها مناسبة لحماية أمنها". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها