الجمعة 2016/02/26

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

لا نصرة لداريا.. ولا "نصرة" فيها

الجمعة 2016/02/26
increase حجم الخط decrease
نقلت وكالة"فرانس برس" الفرنسية عن مصدر عسكري من قوات النظام، قوله إن وقف إطلاق النار الذي يدخل حيّز التنفيذ ليل الجمعة-السبت، لن يشمل مدينة داريا في ريف دمشق الغربي، وذلك بسبب تواجد "جبهة النصرة" فيها.

وجاء ذلك التصريح من عميد في قوات "الحرس الجمهوري" على أطراف داريا، بالقرب من صحنايا، ونقلته العديد من الوكالات التي رتّب النظام وصولها إلى المنطقة، لتوجيه عدد من الرسائل المهمة لأطراف داخل سوريا وخارجها.

الرسالة الأولى؛ كانت إلى الأمم المتحدة والدول التي اتفقت على وقف الأعمال العدائية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا. وسعى النظام في هذه الرسالة إلى إخراج داريا من الإتفاق، عبر تسويقه لوجود "جبهة النصرة" في المدينة المحاصرة، وبذلك يستطيع أن يبرر إعلاميا متابعة المعركة الشرسة لإبادة مدينة داريا عمرانياً، وتغيير بنيتها الديموغرافية في المستقبل.

وتعرف جميع الدول العاملة في الملف السوري، بأن لا وجود لـ"جبهة النصرة" في داريا، خاصة تلك التي تدّعي دعمها للمعارضة، وتملك هذه الدول معلومات تفصيلية عن الكتائب المسلحة في سوريا، وأماكن إنتشارها.

وفي داريا تحديداً، تمتلك غرفة عمليات "الموك" التي تشارك فيها الولايات المتحدة الأميركية، معلومات دقيقة عن وضع داريا، لأنها تدعم "لواء شهداء الإسلام" العامل تحت قيادة "الجبهة الجنوبية". غرفة "الموك" لا تدعم أيّ فصيل قبل أن تستقصي جيداً عن عناصره وخلفيتهم العقائدية، وممارساتهم وشركائهم على جبهات القتال.

في داريا يتواجد فصيلان عسكريان يقاتلان النظام، وهما: "لواء شهداء الإسلام" وجميع منتسبيه سوريون من أبناء المدينة، باستثناء قلّة من المنشقين عن قوات النظام منذ مطلع الثورة. والفصيل الثاني هو عبارة عن كتائب تابعة لـ"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" تُعرّف عن ذاتها بأنها من الجيش الحر، وترفع علم الثورة السورية. جميع منتسبي "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" هم من أبناء داريا أو من بعض المدن والأحياء القريبة منها كحيي كفرسوسة والمزة.

"المجلس المحلي لمدينة داريا" قدم نموذجاً مثاليا في إدارة المناطق المُحررة، واعتمد على إشراك المسلحين والعمل معهم، متجنباً خلق شرخ بين المدنيين والمسلحين في المدينة. جميع العسكريين المنضوين تحت سلطة "المكتب العسكري" التابع لـ"المجلس المحلي"، يلتزمون بقرارات المجلس، ويعملون على حماية المدينة، والحفاظ على أهداف الثورة السورية. مجلس داريا المحلي، لم يُفوت فرصة للإعلان والعمل لتحقيق مطالب الثورة السورية، المتجسدة في الحرية والكرامة والديموقراطية. "المكتب العسكري" ضمّ جميع المقاتلين في المدينة، ولم يقاتل سوى قوات النظام التي تحاول إحتلال داريا منذ ثلاثة أعوام.ولم تشهد داريا، أي اقتتال داخلي بين مكوناتها العسكرية.  وحظر "المكتب العسكري" على مقاتليه العمل الإنتقامي ضد التجمعات السكانية المجاورة التي تقطنها عائلات ضباط "الفرقة الرابعة" و"الحرس الجمهوري" وغالبيتهم من العلويين. تلك المناطق كانت في مرمى نيران ثوار داريا، لكنهم امتنعوا عن مهاجمتها، على الرغم من أن مدينتهم شهدت مجازر طائفية مروعة، كان أعنفها مجزرة آب/أغسطس 2012، والتي راح ضحيتها أكثر من 1000 شخص، معظمهم أطفال ونساء، قتلوا حرقاً وبالسكاكين.

العمل الإنتقامي على أسس طائفية كان متاحاً للمعارضة المسلحة في داريا، لكنها لم تلجأ إليه. كان ذلك خياراً ثورياً واعياً من أهل داريا، الذين تمتعوا قبل الثورة بنسب تعليم عالية، وشهدت مدينتهم انفتاحاً على الأعمال الصناعية والتجارية، ما زاد من نسبة الطبقة الوسطى.

وكالات الإعلام الدولية التي أدخلها النظام إلى قطاع صغير من داريا، احتلته قواته مؤخراً، نشرت قبل أيام صوراً لعلم الثورة مع راية "جبهة النصرة" فوق مقر إدعى النظام أنه لـ"النصرة". المضحك في الفبركة التي قامت بها قوات النظام أن "جبهة النصرة" تعتبر علم الثورة راية للكفر، وتمنعه في مناطق سيطرتها، فكيف ترفعه على مقرّ لها؟

الرسالة الثانية أراد النظام توجيهها إلى الداخل السوري، خاصة أبناء الطائفة الدرزية الذين يسكنون مدينة صحنايا وأشرفيتها، المتاخمتان لداريا. فالنظام أعلن أنه من خلال استمرار العملية العسكرية في داريا، سيجعل هذه المنطقة تحت سيطرته، ليمنع أي أعمال عسكرية ضد المدنيين، بوصفه "حامي الأقليات". لكن الوقائع تقول بإن العلاقة بين دروز صحنايا وسنّة داريا، لم تشهد أي توتر يذكر، منذ بدء الثورة، بإستثناء حالات فردية بسيطة تمّ تطويقها رغم رغبة النظام في تصعيدها واستثمارها.

مرّ 1200 يوم على بدء المعركة الكبرى في داريا، ولم ينقضِ يوم منها من دون أن تخسر قوات النظام عدداً من مقاتليها، بالإضافة إلى تدمير عشرات الدبابات ومئات المدرعات. آلاف الغارات الجوية وأكثر من سبعة ألاف برميل وحاوية متفجرة وصاروخ أرض-أرض، ولم تتوقف قوات النظام عن محاولة إقتحام تلك المدينة الصغيرة المحاصرة. النظام لم يكترث لسقوط آلاف من مقاتليه على جبهة داريا، فما الذي يدفعه إلى ذلك؟

تعتبر مدينة داريا البوابة الغربية لمدينة دمشق، وهي ملاصقة تماماً لحي كفرسوسة الدمشقي. ولا يفصلها عن قلب العاصمة سوى الطريق الدولي "المتحلق". وتحيط أراضيها بالجزء الجنوبي والجنوبي الغربي لمطار المزة العسكري، الذي يُعتبر من أهم المناطق الأمنية للنظام. ويحيط بداريا من الشمال معضمية الشام، وفيها الحي الشرقي الذي يسكنه علويون. ومن الجنوب يمر طريق درعا الدولي، ومن الغرب مدينة صحنايا وقطع عسكرية.



عندما هجرّت قوات النظام سكان داريا وبدأت إحتلال أراضيها وإقتطاع أجزاء منها، صار واضحاً بأن النظام يريد تحويل الريف الغربي الملاصق لدمشق، إلى منطقة ذات أغلبية علوية، تتركز في مساكن يوسف العظمة و"سرايا الصرّاع" و"ضباط الحرس" و"الفرقة الرابعة" ومنطقة السومرية.

كما أن المليشيات الشيعية، التي تقاتل إلى جانب النظام، لا تخفي رغبتها في استملاك المناطق التي تسيطر عليها في داريا، والمخططات الإيرانية للإستثمار وبناء الأبراج حول مقام سكينة في المدينة، صارت علنية.

فصائل المعارضة السنية لم تلتفت لمدينة داريا، ولم تقدّم لها شيئاً، وأولها "جبهة النصرة". فلا يعرف المحاصرون في المدينة أي عمل عسكري قامت به "النصرة" يوماً لأجلهم، ولم يسمعوا منها سوى دعوات وخطابات مثل رسائل المحيسني للمدينة. الأمر ذاته ينطبق على "حركة أحرار الشام الإسلامية" التي لم تدرج داريا في مفاوضاتها مع إيران، كما فعلت في الزبداني وحمص، لأنها لا تملك كوادر داخل المدينة.

حتى "الأمم المتحدة" لم تدخل إلى داريا منذ بداية المعركة، ولم يلحظها بيان "مؤتمر ميونخ"، لكسر الحصار عنها، على الرغم من وجود 12 ألف مدني عالق فيها تحت عشرات البراميل المتفجرة يومياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها