الخميس 2016/02/11

آخر تحديث: 16:24 (بيروت)

أرقام سورية كارثية

الخميس 2016/02/11
increase حجم الخط decrease
أصدر "المركز السوري لبحوث السياسات"، الخميس، تقريراً جديداً بعنوان "سوريا: مواجهة التشظي". وتم انجاز التقرير بالتعاون مع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، بغرض رصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015.

تناول التقرير الآثار الإقتصادية والإجتماعية للأزمة السورية، وجاء حافلاً بالأرقام والمقارنات. كما كشف عن أرقام جديدة مرعبة للضحايا السوريين، ونسب الدمار والتغيير الديموغرافي، ووضع الإقتصاد الحالي.

التقرير يشير إلى أن استمرار النزاع المسلح أثر بشكل كارثي على الوضع الديموغرافي في سوريا، فالمهجرون واللاجئون والوفيات المرتبطة بالنزاع، تُفرغ البلد من السكان، وبالتالي تغير التركيبة السكانية بشكل واضح. التقرير يشير إلى أن التقدير الأكثر دقة لعدد سكان سوريا في العام 2010، بلغ 21.79 مليون نسمة، وانخفض العدد إلى 20.44 مليون نسمة في منتصف العام 2015، وإلى 20.21 في نهايته. وسجل النمو السكاني معدلاً سالباً خلال العام 2015. وأشارت تقديرات "السيناريو الإستمراري"، أي في حال عدم حدوث الأزمة، إلى أن عدد السكان كان سيصل إلى 25.59 مليون نسمة في نهاية العام 2015، وبالمقارنة مع "سيناريو الأزمة"، بلغ التراجع في عدد السكان نحو 21 في المئة.

وقدر العدد الاجمالي للاجئين بنحو 3.11 مليون شخص في نهاية العام 2015، وتوزعت نسب اللجوء على الدول المجاورة كالتالي: تركيا 37.5 في المئة، ولبنان 35.6 في المئة، و14.1 في المئة في الأردن. ويقلل التقرير من تقديرات اللجوء إلى دول أوروبا، ويشير إلى أن العدد الإجمالي لطالبي اللجوء للمرة الأولى من سوريا في الدول الـ28 للاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من العام 2015 بلغ 73 ألف شخص. وقدر عدد النازحين داخل سوريا بنحو 6.36 مليون في نهاية العام 2015. وأدى استمرار النزاع والأزمة إلى مغادرة حوالى 45 في المئة من السكان في سوريا أماكن إقامتهم الأصلية بحثاً عن السلامة والأمان، واستمر 60 في المئة منهم في البقاء داخل سوريا كنازحين، في حين أن 29 في المئة باتوا لاجئين في الخارج، و11 في المئة هاجروا إلى دول أخرى.

وفقدان الحياة الناجم عن النزاع، يعتبر الأثر المباشر والواضح والأكثر مأساوية لاستمرار الأزمة السورية. وتبين نتائج مسح السكان، الذي أجري في منتصف العام 2014، أن 1.4 في المئة من السكان فقدوا حياتهم، 11.4 في المئة منهم أطفال. ومع نهاية العام 2015، تشير التقديرات إلى أن عدد الجرحى وصل إلى 1.88 مليون شخص، ويقدر بأن 11.5 في المئة من السكان داخل سوريا تعرضوا للقتل، أو الإصابة والتشوه نتيجة النزاع. واسفر النزاع المسلح عن أضرار شديدة على التنمية البشرية، وبلغ معدل الوفيات في العام 2015 حوالى 10 في الألف، وانخفض متوسط العمر المتوقع عند الولادة إلى 55.4 في المئة.

وشهد العام 2015 تحولاً في السياسات الاقتصادية نحو المزيد من النيوليبرالية، من خلال الزيادة الكبيرة في أسعار الخبز والمواد الغذائية الأساسية، والمشتقات النفطية، وأدت هذه السياسات التي بدأت منذ العام 2014 إلى رفع الأسعار وانهيار سعر الصرف. ومع نهاية العام 2015 بات معظم السوريين يعيشون في حالة فقر، ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد، لا يقتصر فقط على البعد المرتبط بالفقر المادي. وأشارت التقديرات إلى أن معدل الفقر الإجمالي بلغ 85.2 في المئة مع نهاية العام 2015، وقدرت نسبة من يعانون من الفقر الشديد بحوالى 69.3 في المئة، وارتفعت نسبة الفقر المُدقع إلى 35.1 في المئة.

وجاء في التقرير أن من الأثار الإقتصادية، ازداد تشظي الإقتصاد السوري، خلال العام 2015 عما كان عليه سابقاً، جراء "هيمنة قوى التسلط وقيامها ببناء كيانات اقتصادية مستقلة خاصة بكل منها، وتحويل الموارد لخدمة مصالحها وأهدافها، وتقديم الحوافز لأتباعها لضمان ولائهم على حساب احتياجات الناس وتطلعاتهم". ويشير التقرير إلى أن خسارة "الناتج المحلي الإجمالي" لسوريا حتى نهاية العام 2015، تقدر بـ4159 مليار ليرة سورية بالأسعار الثابتة لعام 2000، أي ما يعادل 163.3 مليار دولار، وتبلغ هذه الخسارة نحو ثلاثة أضعاف "الناتج المحلي الإجمالي" في العام 2010. في حين تصل الخسائر الاقتصادية الإجمالية في نهاية العام 2015 إلى 254.7 مليار دولار، وتعادل 468 في المئة من "الناتج المحلي الإجمالي" للعام 2010، بالأسعار الثابتة للعام 2000.

والقطاعات الرئيسية التي ساهمت في خسائر "الناتج المحلي الإجمالي" هي التجارة الداخلية التي حازت على 23.2 في المئة من إجمالي الخسائر المتراكمة، وبلغت نسبة خسائر قطاع الخدمات الحكومية 15.9 في المئة، والصناعات الإستخراجية 15.2 في المئة، والنقل والاتصالات 14.1 في المئة، والزراعة 11.6 في المئة، والقطاع المالي والعقاري 5.7 في المئة. وأكد التقرير على أن "انهيار عملية الإنتاج تسبب في انكماش مصادر الدخل التقليدية للأسر، وبالتالي تراجع الاستهلاك الخاص الحقيقي. كما أدى الارتفاع الحاد في معدل التضخم، المتباين بين المناطق، إلى زيادة الانخفاض في مستوى الطلب الحقيقي". وشهد العام 2015 تحولاً جذرياً مع تطبيق حكومة النظام السوري سياسة "عقلنة الدعم" الذي خفّض فاتورة الدعم من خلال زيادة أسعار المشتقات النفطية والسلع الأساسية، ما تسبب في تدهور الطلب الحقيقي وتعميق الركود والارتفاع الحاد في الأسعار، والمزيد من التراجع في قيمة الليرة السورية. (تجاوز سعر صرف الدولار 420 ليرة سورية، الأربعاء).

وتراجع الاستهلاك العام في سنة 2015 بنسبة 33.1 في المئة مقارنة بالعام 2014، وتراجعت حصة الاستهلاك العام من "الناتج المحلي الإجمالي" إلى 31.6 في المئة بعدما كانت 26.3 في المئة للعام 2010، في حين ارتفع "الاستهلاك شبه العام" بما في ذلك الإنفاق العسكري، وهو فئة استهلاك في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة وتتحكم بها قوى أمر واقع، إلى 13.2 في المئة في العام 2015 بعدما كانت 10.1 في العام 2014.

قاد الإقتصاد المتشظي والقواعد المتفاوتة الحاكمة له باختلاف المناطق، إلى فوارق كبيرة في المستوى المعيشي للأسر بين المناطق، وداخل المنطقة نفسها، فيما بلغ الاستثمار الحكومي العام ما نسبته 7 في المئة، مما كان عليه في العام 2010. وازداد انكشاف الاقتصاد السوري على العالم الخارجي من خلال الاعتماد على المستوردات الممولة بالقروض والتسهيلات المالية الخارجية، كما أن طبيعة الصراع الممتدة والمستمرة أدت إلى تدمير القدرة التنافسية للاقتصاد وقوضت أسس الثروة والإنتاجية التي تراكمت على مدى عقود.

ورصد التقرير الانتشار الهائل للشبكات المرتبطة بالعنف المنظم والعابرة للحدود، التي خلقت شبكة من المصالح الجديدة داخل سوريا وخارجها. ومع احتدام النزاع أصبحت هذه الشبكات أكثر نفوذاً واستحوذت على مزيد من التمويل والسطوة. ويتم مأسسة عمل هذه الشبكات وتقديم الحوافز لها وللعاملين بها من خلال وضع تشريعات وقواعد سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة، الأمر الذي يديم الصراع ويسيء للناس، ويعمق احساسهم بالاغتراب. وفرضت قوى التسلط الداخلية والخارجية المختلفة، داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها، شروطاً وظروف عمل غير متجانسة ومختلفة، لكنها تمتلك سمات مشتركة من حيث انعدام فرص العمل، وغياب ظروف العمل اللائقة، وتراجع الأجور الحقيقية، وانتشار قطاع الخدمات غير المنظم.

وتم تغيير البنية الإقتصادية وتحويلها لخدمة أهداف وأولويات مختلف قوى التسلط التي تقوم بإعادة تخصيص الموارد في العنف والأنشطة المتعلقة به. وترافق ذلك مع غياب سيادة القانون، وحقوق الملكية والمساءلة، إضافة إلى تفاقم الفساد. وخلقت هذه البيئة الإقتصادية الجديدة فاعلين جدداً أو غيرت من سلوك الفاعلين السابقين، ليصبحوا جزءاً من قواعد اللعبة الجديدة التي تفرض الهيمنة بالقوة وتقوم ببناء اقتصاد سياسي جديد يحافظ على استدامة النزاع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها