الخميس 2016/12/08

آخر تحديث: 08:03 (بيروت)

"قيصر النفط" الروسي وتركيع الإعلام

الخميس 2016/12/08
"قيصر النفط" الروسي وتركيع الإعلام
Ftoimedia ©
increase حجم الخط decrease

تُعد روسيا الآن أوسمة النصر ونياشينه، استعداداً للاحتفال "بالنصر الثمين" في حلب، الذي حشدت من أجله كل ما لديها من طاقات، على قول المعلق العسكري لصحيفة "Novaia Gazeta" الرصينة المعارضة. وتجري في روسيا نفسها معركة شرسة لتركيع ما تبقى من إعلام مستقل، أو شبه مستقل، ينغص عليها "انتصارها"، يقودها "قيصر النفط" الروسي، المدير التنفيذي للعملاق النفطي الروسي "روسنفط" إيغور ساتشين.

وثمة إجماع في روسيا على أن ساتشين هذا، هو الرجل الثاني بعد بوتين من حيث النفوذ، على الرغم من أنه لا يشغل أي منصب رسمي في هرم السلطة الحالية. لكن ساتشين هو من مجموعة ليننغراد وأقرب المقربين إلى بوتين، وعمل معه في بلدية ليننغراد ورافقه إلى موسكو وعمل معه في رئاسة ديوان الرئاسة وفي رئاسة الحكومة الروسية، إلى أن تم تعيينه العام 2012 مديراً تنفيذياً لشركة "روسنفط" المملوكة من قبل الدولة.. وهو يُعتبر رمزاً للفريق الأمني في الكرملين بوجه الفريق الليبرالي، الذي يمثله رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف.


وقد حقق ساتشين في المدة الأخيرة جملة انتصارات مدوية في المعركة الشرسة ضد الإعلام المعارض، بدأها مع "الهولدنغ" الإعلامي "RBK" لصاحبه الملياردير ميخائيل بروخروف، الذي ترشح ضد بوتين في الإنتخابات الرئاسية العام 2012. فقد اعترضت شركة "روسنفط" على خبر نشرته صحيفة "الهولدنغ"، التي تحمل اسمه، في نيسان/أبريل الماضي واعتبرته مضراً بمصالحها، وطلبت من الصحيفة، عبر المحكمة، تكذيب الخبر لا أكثر. لكن الشركة عادت في آخر أيلول/سبتمبر الماضي وطالبت عبر المحكمة أيضاً بتعويض مادي عن "الإضرار بالسمعة" يفوق 3 مليارات روبل (حوالى 50 مليون دولار أميركي)، وهو تعويض لم يسبق أن عرفه تاريخ الإعلام الروسي، على حد قول الصحيفة.


ويعلق ممثل اتحاد الصحافيين في موسكو على المبلغ المذكور بالقول، إن الهدف الحقيقي من ورائه هو "ترويع الصحافيين"، وأنه لا ينبغي في الأصل أن يُطلب كتعويض من وسيلة إعلامية، إذ من شأن التنفيذ، حتى الجزئي له، أن يؤدي إلى إقفال "الهولدنغ" بأسره. ويقول رئيس جمعية "السياسة النشطة" غليب بافلوفسكي للصحيفة، إن "هدف ساتشين وروسنفط واضح، وهو تدمير أجهزة الإعلام وترهيب الصحافيين.. أما ما سيحصلون عليه فهو توحيد وسائل الإعلام" بوجههم.


وتشير صحيفة "RBK" إلى أن التعويض، الذي يطالب به ساتشين وشركته، لم يسبق أن طالب به أحد في العالم من قبل، غير أنها تذكر في هذا السياق أن زوجة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ميلانيا ترامب، طالبت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في أيلول/سبتمبر الماضي بتعويض قدره 150 مليون دولار، لنشرها خبراً عن عملها "نديمة" في "Escort Service" في سلوفينيا ونيويورك.


من جهة ثانية ذكرت صحيفة "vedomosti"، المعروفة برصانتها ومهنتيها الرفيعة وسط وسائل الإعلام الروسية، في 18 الشهر الماضي، أن محكمة موسكو أبقت على الحكم الصادر بحقها في أيلول/سبتمبر الماضي في دعوى "المساس بالحياة الشخصية"، التي أقامها إيغور ساتشين بحق الصحيفة. وكانت الصحيفة قد تحدثت في مقالة لها في تموز/ يوليو الماضي عن تشييد ساتشين منزلاً في إحدى ضواحي موسكو على مساحة 3 هكتارات من الأرض، التي ذُكر أنها مدرجة على لائحة التراث العالمي في الأونيسكو. وقد أصدرت المحكمة حكماً ألزمت الصحيفة بموجبه حذف المقالة المذكورة وإتلاف جميع نسخ العدد الذي نُشرت فيه المقالة.


أما صحيفة  "Novaia Gazeta" فقد حاكمها "قيصر" النفط الروسي ساتشين على "التأكيدات الضمنية" وليس على تعابير مباشرة أوردتها في مقالة لها بشأن زوجته. ورفع ساتشين في آب /أغسطس الماضي دعوى " قدح وذم" على الصحيفة المعارضة المذكورة، بسبب مقالة ذكرت فيها أن زوجة ساتشين كثيراً ما تستجم على متن يخت في البحر، هو بين الأغلى من يخوت العالم،  ويبلغ بدل إيجاره الأسبوعي مليون دولار. وقد استعان ساتشين باختصاصي في اللغة الروسية ليثبت أن التعابير الواردة في المقالة تتضمن "مساساً مبطناً" بالحياة الشخصية لزوجته و"تأكيدات مبطنة" كذلك بأن ملكية اليخت تعود إليه. وقد أصدرت المحمكة حكماً يستند إلى "التأكيدات المبطنة" تلك، يقضي بإلزام الصحيفة بتكذيب ما ورد في مقالتها.


في الأول من كانون الأول/ديسمبر نشرت هيئة تحرير Novaia Gazeta”" ما أطلقت عليه "إعلان نوفايا غازيتا"، وقالت إنها فشلت في اسئناف قرار محكمة موسكو، واعتبرت أن مثل هذه الأحكام، المبنية على ما هو مستبطن، تشكل سابقة خطيرة، ويمكن أن تكون ضحيتها أي وسيلة إعلامية، أو صحافي، أو مدون على الانترنت. وقالت إن هذه المحكمة لم تُصدر، خلال سنوات عديدة، حكماً واحداً لصالح الصحافيين والصحافة في قضية ذات بعد سياسي تقدمت بها الرقابة الرسمية، أو أحد كبار المدعين من أمثال ساتشين. وأشارت الصحيفة إلى أنها لن تستسلم، فالمسألة هي "مسألة مبدأ"، على حد تعبيرها، وسوف ترفع القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في سترسبورغ، كما فعلت سابقاً في القضية التي رفعها عليها عدد من الجنرالات، الذين أغضبهم ما كتبته حول غرق الغواصة النووية "كورسك" عام 2000. وقالت إنه لا يمكن السماح بأن تنشأ في روسيا طبقة من الأشخاص والشركات لا يمكن حتى ذكر أسمائهم، من دون التعرض للمحاكمة، كما لا يمكن السماح بإساءة استخدام القانون وتحويل القضاة إلى "منفذين مطواعين وغير مسؤولين".


إنها ليست حرب "قيصر النفط" لإخضاع ما تبقى من إعلام معارض، أو شبه معارض في روسيا، بل هي حرب "قيصر" روسيا بوتين المتواصلة منذ العام 2005، وبدأت حينها باسم "ألفا ـــ بنك" ضد "الهولدنغ" الإعلامي الآخر "kommersant" واستمرت طيلة هذه السنوات، من دون أن تتوقف لحظة واحدة. وكانت هذه الحرب استكمالاً لما بدأته السلطة شبه المافيوية لنظام "الاستبداد الريفي"، كما يسميه غريغوري يافلنسكي في كتابه عن طبيعة هذا النظام، والذي قام حينها في روسيا وبدأ بمصادرة السياسة في المجتمع ومصادرة حرية التعبير عن الرأي، وتطويع القانون والقضاء لصالح السلطة.


تلك هي روسيا، التي تعد الأوسمة والنياشين الآن للاحتفال "بنصرها" في حلب؛ روسيا، التي تنتصر لنظام "الاستبداد الريفي" الآخر في سوريا، والتي تتوهم أنها ستنتصر له، ومعه، على الشعب السوري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها