السبت 2016/12/31

آخر تحديث: 16:34 (بيروت)

ريف دمشق في 2016: عام "الباصات الخضراء"

السبت 2016/12/31
ريف دمشق في 2016: عام "الباصات الخضراء"
عمليات تهجير الريف الدمشقي في 2016 بدأت من درايا (االمجلس المحلي لمدينة داريا)
increase حجم الخط decrease
انقضى عام 2016 تاركاً آثاره على السوريين، لاسيما أولئك الذين وقعوا ضحية سياسة "التهجير القسري" التي انتهجها النظام السوري، وكانت حاضرة بقوة في النصف الثاني من العام الماضي.

مصدر عسكري معارض في ريف دمشق قال لـ"المدن"، إن "هدف عملية التهجير هو تحويل العاصمة دمشق إلى منطقة نفوذ إيرانية"، فيما ذهب مصدر آخر من خان الشيح في ريف دمشق الغربي، وهي من أواخر المناطق التي تعرضت لعمليات التهجير، إلى أن "عمليات التهجير تحمل في ثناياها نفساً طائفياً، إلا أن هدفها الرئيس هو تأمين العاصمة دمشق وإفراغ محيطها من المظاهر المسلحة".

عضو المكتب الإعلامي لـ"لواء شهداء الإسلام" في داريا أيهم أبو محمد، قال لـ"المدن"، إن "تهجير المدن جاء بهدف تغيير البنية السكانية، وتوطين أبناء طائفة الأسد ومؤيديه وتأمين العاصمة من المعارضة". مراسم عزاء شيعية كانت قد أقيمت في "مقام سكينة" في مدينة داريا، بعد تهجير أهلها، وبحسب المقاطع المصورة المسربة منها، أكدت بالنسبة للكثيرين، الهدف الطائفي للنظام وإيران. مصدر من داريا أكد أن المقام أقيم على قبر لامرأة من داريا، بينما تروّج المليشيات إلى أنه يعود إلى سكينة بنت الإمام علي بن أبي طالب، رغم أن عليّ في كتب الشيعة والسنة، ليس لديه بنت تحمل هذا الاسم.

بداية "التهجير القسري" في ريف دمشق الخاضع لسيطرة المعارضة كان من مدينة داريا، في غوطة دمشق الغربية. ففي 27 آب/أغسطس، بدأت عملية إفراغها، بعد توصل المعارضة إلى اتفاق مع النظام، يفضي إلى إفراغ المدينة كلياً من عسكريين ومدنيين وتسليمها للنظام. وخرج من داريا نحو 8000 شخصاً بينهم 700 مقاتل. وجاء إفراغها بعد سنوات من الحصار الذي فرضته مليشيات النظام، وسط قصف متواصل بآلاف البراميل المتفجرة. ووثّق ناشطون تعرض المدينة لأكثر من 10 آلاف برميل متفجر. سمح النظام بإجلاء مقاتلي داريا وعائلاتهم إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، فيما نُقل المدنيون إلى مراكز إيواء في ريف دمشق لتسوية أوضاعهم.



كانت داريا "حجر عثرة" في وجه النظام ومليشياته، وما أن نجحت عملية إفراغها، ونقل ثوارها بـ"الباصات الخضراء"، شعار عمليات التهجير، حتى نشطت حركة تلك الباصات في مناطق أخرى في ريف دمشق. مصدر من "المجلس المحلي" السابق لمدينة داريا، قال لـ"المدن"، إن داريا كانت تشكل القوة العسكرية المعارضة في ريف دمشق الغربي، ومع تمكن النظام من إفراغها، وسط تخاذل من ثوار ريف دمشق والجنوب السوري، أخذت عمليات التهجير تنشط بشكل كبير، بدءاً من معضمية الشام جارة داريا وانتهاءً بخان الشيح.

وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016 دخلت بلدتا قدسيا والهامة ضمن قائمة "التهجير"، وتم إجلاء أكثر من 2000 شخص، في 22 حافلة إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، من بينهم أكثر من 300 مقاتل.

ورغم أن البلدتين كانتا في "هدنة" مع النظام، إلا أنه أخذ يعيد النظر في "الهدن" السابقة المبرمة مع الثوار، لإيجاد حلول جذرية مع المناطق الثائرة في محيط العاصمة دمشق. اتفاق البلدتين جاء بعد تصعيد عسكري "مفاجئ" لمليشيات النظام، بدأ في أواخر أيلول/ سبتمبر، مع محاصرة البلدتين وقطع الخدمات عنهما، وطال القصف مراكز حيوية ومرافق عامة، ما دفع الأهالي بالخروج إلى الشوارع ومطالبة المعارضة بإنجاز اتفاق "التسوية".

وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر 2016 طُبقت عملية "تهجير" بحق ثوار معضمية الشام، وعائلات من مدينة داريا تقيم في المعضمية، وأخلي في هذه العملية ما يقدر بـ3000 شخص من مقاتلين وعائلاتهم، فضلاً عن عدد من عائلات داريا. اتفاق معضمية الشام تضمن عودة "مؤسسات الدولة" إلى المدينة، عدا فروع الأجهزة الأمنية، وتأسيس مخفر مشترك بين النظام وأهالي المعضمية.

وكان 28 تشرين الثاني/ نوفمبر على موعد مع حلقة جديدة من حلقات "التهجير القسري" في ريف دمشق إلى الشمال السوري، حيث بدأت عملية إجلاء 1400 شخص من مخيم خان الشيح، بينهم مقاتلون وعائلاتهم. وتمت عملية "التهجير" بعد توصل "لجنة التفاوض" المعارضة مع ممثلي النظام إلى خروج المقاتلين الرافضين "تسوية أوضاعهم" برفقة عائلاتهم إلى إدلب، واصطحاب 60 في المئة من أسلحتهم الفردية.

وفي مطلع كانون الأول/ديسمبر خرجت الدفعة الثانية من خان الشيح، وبلغ عدد المهجّرين في الدفعة الثانية 2250 شخصاً، أقلّتهم 69 حافلة، ترافقها 12 سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر.

وبحسب ما ذكر أحد المدنيين الذين خرجوا في الدفعة الثانية لـ"المدن" فقد "سارع عدد من المدنيين إلى تسجيل أسمائهم في قوائم الراغبين بالخروج، خشية أن يصيبهم أذى بعد خروج الثوار، لا سيما أن سكان مخيم خان الشيح الأصليين من الموالين لنظام الأسد".

ويبدو أن مخاوف أولئك المدنيين الذين خرجوا آنذاك "مشروعة"، باعتبار أن المخيم مصيره مشابه لمصير بلدتي قدسيا والهامة، اللتين تحولتا إلى مناطق "موالية" بعد دخول "الأمن العسكري" إليها، ومطالبتهم الأهالي بطمس مظاهر الثورة فيهما.

في 2 كانون الأول/ديسمبر انطلقت "الباصات الخضراء" من مدينة التل، أو ما تعرف بمدينة "المليون نازح" إلى الشمال السوري، لإجلاء 2000 شخص بينهم 500 مقاتل، وعدد من المطلوبين للخدمة العسكرية، على أن يتم تشكيل لجنة من 200 شاب من أبناء المدينة، يسلّحهم النظام لحماية المدينة.

مصدر مقرب من "لجنة التفاوض" قال لـ"المدن"، إن "النظام تعهد بعدم دخول جيشه وشبيحته إلى داخل المدينة، إلا في حالات الإبلاغ عن وجود سلاح داخل المدينة، وسيفتح النظام طريق التل بالكامل أمام المدنيين". اتفاق "التل" حوّل مليون شخص من سكانها الأصليين والنازحين إليها، من المعارضة إلى النظام، لا سيما بعدما وصلت قوائم بأسماء مئات الأشخاص المطلوبين للخدمة العسكرية، وفق ما ذكره مصدر إعلامي من التل لـ"المدن". وبحسب المصدر، فقد "شهدت المدينة حالات اعتقال عديدة في التل، واعتداء لحواجز النظام المنتشرة في محيطها على الأهالي".

النظام حاول أن ينهي العام 2016 بانجاز تهجير قسري جديد في وادي بردى، فصعّد من عملياته العسكرية التي لاتزال مستمرة، غير آبه باتفاق "وقف إطلاق النار" الذي رعته روسيا وتركيا، والذي دخل حيّز التنفيذ في 30 كانون الثاني/ديسمبر. ويبدو أن "السحر انقلب على الساحر" فكانت العاصمة دمشق أول المتأثرين بعمليات النظام العسكرية على وادي بردى، حيث انخفض منسوب المياه الواصلة إلى دمشق ما أدى إلى أزمة مائية.

عضو الوفد المعارض والمستشار القانوني للجيش الحر أسامة أبو زيد، كان قد قال في مؤتمر صحافي، عقب توقيع الاتفاق، أن "من الأهداف أيضاً وقف مسلسل التغيير الديموغرافي وتوطين الشيعة الأجانب بدلاً من العرب السوريين السنة كما حصل في كثير من المناطق آخرها مدينة التل في ريف دمشق"، إلا أن عدداً من المصادر نفت لـ"المدن" أن يكون الاتفاق هو نهاية عمليات التهجير القسري. مصدر عسكري معارض قال لـ"المدن": "لا أعتقد أن توقيع الاتفاق الروسي التركي سيوقف عمليات التهجير لأنها لا تعتبر عمليات قتالية".



"المصالحات" وعدا عن التهجير القسري القائم على فكرة التطهير العرقي، أفضت إلى عودة "مؤسسات الدولة" وإنهاء المظاهر المسلحة "كلياً". ومن أراد البقاء، باستثناء أهالي داريا، فقد أعطى النظام مهلة للمنشقين والمطلوبين لـ"الخدمة الإلزامية" لـ"تسوية أوضاعهم" ومن ثم الالتحاق بقوات النظام. انقضى العام 2016 وريف دمشق يودع ثواره ومعارضته، تباعاً، إلى الشمال السوري، لتنتقل المناطق التي كانت محررة، وبعد طول الحصار والتجويع، إلى "حضن الوطن".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها