السبت 2016/12/17

آخر تحديث: 16:54 (بيروت)

مسرح تدمر وكواليس حلب

السبت 2016/12/17
مسرح تدمر وكواليس حلب
AFP + Almodon ©
increase حجم الخط decrease

عاد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى تدمر مجدداً، بعدما غادرها في مارس/آذار 2016. لكن هذه العودة لم تحظَ بمستوى رد الفعل ذاته عندما سيطر التنظيم على المدينة، وشرع بتفجير معابدها وتقديم عروضه على مسارحها في 2015، بسبب العروض الدموية التي تقدمها روسيا والنظام السوري والمليشيات الإيرانية في حلب.

مع سيطرة التنظيم على المدينة التاريخية أول مرة، عثرت روسيا على فرصة ذهبية في الوقت الذي كانت تتعالى أصوات الاعتراض على تدخلها العسكري -الحديث آنذاك- في سوريا. وبعد طرد التنظيم، أطلقت حملات استثمار ما ارتكبه "داعش" بحق معالم المدينة، حيث دخل مصور وكالة "فرانس برس" جوزيف عيد إلى المدينة، ليلتقط صوراً غزت وسائل الإعلام الروسية، لأبرز المعالم التي خرّبها التنظيم ضمن مشروع تدمر قبل وبعد، إذ كان يحمل صورة أصلية لمكان هدمه "داعش" وبقي منه جزء يدل عليه. وكان من اللافت أن تلك الصور بدا وكأن أحداً ما التقطها قبل فترة وجيزة لمعالم يعرف أنها ستختفي قريباً.


وبالنظر إلى ما يواجهه التنظيم من محاولات لإنهاء سيطرته داخل العراق وسوريا، تبدو مبررات دخوله إلى تدمر واضحة، إذ تقع المدينة وسط مجال جغرافي واسع يتنقل فيه بين العراق وسوريا، ولا بد للمعارك المندلعة ضد التنظيم في العراق من أن تترك تساؤلات عن وجهة مقاتليه بعد انسحابهم من المناطق التي دخلتها القوات العراقية.


قبل نحو شهر طُرد التنظيم من الرطبة العراقية قرب الحدود مع سوريا. ومما لا شك فيه أن عناصره لم يخطر في بالهم الانسحاب نحو شمال الرطبة لما يعنيه ذلك من تسليم أنفسهم للبلدات والقرى التي تشكل حزاماً متقدماً لحماية العاصمة بغداد. وبالتالي، فإن الصحراء السورية كانت الوجهة الوحيدة لهم، وهناك ترسم تدمر خطاً متوازياً مع الرطبة في العراق، وكاد التنظيم أن ينجح في تحويل المنطقتين إلى وحدة جغرافية تابعة له.


وعلى ما يحمله دخول "داعش" إلى تدمر من تساؤلات محقّة، فإن نظام الرئيس السوري بشار الأسد اكتفى بالقول إن خصومه حرّكوا التنظيم من أجل تشتيت جهود قواته عن معركة حلب، فيما صدرت عن المعارضة أقوال مشابهة عندما اعتبرت أن ما جرى كان تشتيتاً للاهتمام والتضامن الكبيرين مع المدنيين في حلب، الذي كان قد أخذ منحى تصاعدياً في معظم العواصم؛ هذان الاتهامان يصوران تدمر على أنها مجرد مسرح للاستثمار في المواسم، استقبل فرقة "داعش" في السابق بعرض دموي لعملية إعدام أسرى قوات النظام، واستقبل بعدها فرقة أوركسترا مسرح مارينسكي الروسية بعرض كرنفالي.


تلك الأقوال لا شك أنها بحاجة إلى قليل من المراجعة، خصوصاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال كلاماً واضحاً ومفهوماً عن سوء تنسيق حصل بين روسيا وسوريا والتحالف الدولي، ما سمح لـ"الدولة الإسلامية" بالتسلل إلى تدمر.


في الواقع، ليس مهماً ما يحصل على المسرح في سوريا، فالجميع يشاهد تلك العروض بأبشع الصور ويعرف أن أحداً لا يستطيع إيقافها، بل الأهم معرفة ما يحصل في الكواليس، وتلك الكواليس اتضح أنها كانت في حلب، لأن لافتات الإرشاد إلى الطرق والمواقع في تدمر كانت مكتوبة بثلاث لغات؛ الروسية والعربية والفارسية، على ما أظهرت صور بثها "داعش" بعد دخوله إلى المدينة، وهذا يكفي لأن يعرف المتحدثون بتلك اللغات وجهتهم والتوجيهات التي عليهم أن ينفذوها.


ثمّة انعطافة كبيرة أحدثتها حلب في العلاقة بين الروس والإيرانيين والسوريين، فعقب إشارة بوتين عن سوء التنسيق الذي أسقط تدمر بيد "داعش" وعن المبادرة الجديدة التي يحيكها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كازخستان، أرادت إيران أن تذكّر بأن قواتها ليست في جولة سياحية في تدمر، بل هي التي ترسم الطوق حول شرق حلب، وما عرقلة تنفيذ اتفاق الإجلاء إلا انسحاباً إيرانياً من التفاهم مع الروس على ترحيل التباينات إلى ما بعد المعركة؛ وربما هو الإعلان الأول عن أن التباين وصل إلى مستوى الخلاف.


وقد جرى أمر مماثل في مفاوضات إخلاء أحياء حمص القديمة عام 2014، عندما تعذّر تنفيذ الاتفاق أكثر من مرة، إلى أن دخلت إيران رسمياً على خط المفاوضات وشاركت بصياغة النسخة النهائية للاتفاق، الذي وقّع آنذاك على نحو شبيه جداً بالسيناريو الذي حصل في اتفاق حلب.


لسوء حظّ المعارضة أنّ التباينات داخل حلف النظام لا تطفو على السطح إلا حين تبدأ عملية اقتسام تركتها في المناطق التي تنسحب منها. وهذه التباينات لو حدثت أثناء المعركة، لربما كان غرور بوتين قد يدفعه إلى سحب مقاتلاته التي تؤمّن تقدّم المليشيات الإيرانية على الأرض.


عروض نهاية العام كانت قاسية في سوريا، وهول ما واجهه المدنيون يجعل المرء يختنق من الحزن، لكن يبدو أن هذه العروض بدأت للتو، ولا بد من ترقب عروض العام المقبل، والأداء الروسي تحديداً، بعدما اهتزت هيبة بوتين مرتين خلال شهر واحد، الأولى في تدمر التي ألقى على مسرحها خطاب الانتصار على "داعش" عبر جسر تلفزيوني، والثانية في حلب عندما تمرّدت المليشيات الإيرانية على اتفاق أمر بالتوصل إليه شخصياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها