الجمعة 2016/11/18

آخر تحديث: 12:36 (بيروت)

تركيا:التشدد الدستوري مع الاكراد

تركيا:التشدد الدستوري مع الاكراد
كان حزب "العدالة والتنمية" يأمل بإيجاد حل ما للقضية الكردية يحقن الدماء من أجل تحقيق تنمية اقتصادية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بينما كان حزبا "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديموقراطي" (الكردي) يرفعان الصوت عالياً حول عدم القبول بدستور ينقل النظام في تركيا من نظام حكومي إلى نظام رئاسي، كانت هناك مفاوضات هادئة تدور بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" (الطوراني) حول الموضوع. وقد أعلن رئيس الحكومة التركية بن علي يلدرم، أن الدستور الجديد سيطرح بالاتفاق بين هذين الحزبين، وسيقر مطلع العام 2017.

شروط حزب "الحركة القومية" التي يطلبها في الدستور محدودة، وشديدة الوضوح: المواد الثلاث فوق الدستورية، أو كما تسمى في الأدبيات الحقوقية التركية "غير القابلة للتغير"، بحسب المادة الرابعة من الدستور ذاته، يجب أن تثبت بمضمونها في الدستور الجديد. إضافة إلى عدم الإشارة إلى إدارة ذاتية أو لا مركزية إدارية، أو ترك ثغرة يمكن النفاذ منها لتطبيق إدارة ذاتية أو لا مركزية إدارية.

والمواد فوق الدستورية هي:

1- الدولة التركية جمهورية.

2- الجمهورية التركية دولة قانون تلتزم بحقوق الإنسان، وترتبط بالقومية الأتاتوركية ضمن مفهوم الاستقرار الاجتماعي، والتضامن القومي، والعدالة، وهي ديموقراطية علمانية اجتماعية.

3- الدولة التركية موحدة أرضاً وشعباً، ولا يمكن تجزئتها. لغتها التركية، علمها أحمر عليه هلال أبيض ونجمة بيضاء كما هو محدد بالقانون.

وتنص المادة الرابعة على منع تغيير الأحكام الواردة في المواد الثلاث السابقة، وعدم إمكانية تقديم مقترح بتغييرها.

في الحقيقة أن عبارة "الدولة التركية موحدة أرضاً وشعباً، ولا يمكن تجزئتها" هي العبارة التي كان يخشى حزب "الحركة القومية" من تعديلها. فقد كانت هذه المادة مطروحة للنقاش بين حزب "العمال الكردستاني" الذي يفاوض باسمه حزب "الشعوب الديموقراطي"، وحكومة "العدالة والتنمية"، بحيث لا ترد في الدستور الجديد من أجل فتح الباب أمام الأكراد لإقامة نوع من الإدارة الذاتية.

بعد عودة حزب "العمال الكردستاني" إلى العمل المسلح في أيار/مايو 2015، وبعدئذ حفر الخنادق حول المدن الكردية وإعلان الحكم الذاتي من طرف واحد، حدثت القطيعة بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الشعوب الديموقراطي". ثم جاءت عمليات اعتقال قيادات "الشعوب الديموقراطي" لتنهي بوادر إمكانية إيجاد حل سلمي، أو على الأصح خطو خطوة على طريق حل سلمي بين الحكومة التركية وحزب "العمال الكردستاني" باعتباره الممثل الأقوى للأكراد في تركيا على المدى المنظور.

لم تقبل الحكومات المتعاقبة في الجمهورية التركية بأي حقوق قومية للأكراد في تركيا، وينقل الكاتب الصحافي جنكيز تشاندار، مستشار الرئيس التركي الأسبق طورغوت أوزال، أنه أول من أجرى اتصالات مع أكراد العراق، وحتى إنه التقى بعبدالله أوجلان في لبنان بشكل غير رسمي، وحمل رسالة منه إلى أوزال، ولكن تحكّم العسكر في تلك الفترة لم يكن يسمح لأوزال بأن يخطو أية خطوة على هذا الطريق.

وهكذا كانت حكومة "العدالة والتنمية" أول حكومة تركية تجري مفاوضات سياسية مع حزب "العمال الكردستاني". وبالطبع في عهد هذه الحكومة أيضاً جرت اتصالات بين المخابرات التركية وأوجلان في محبسه.

كان حزب "العدالة والتنمية" يأمل بإيجاد حل ما للقضية الكردية يحقن الدماء من أجل تحقيق تنمية اقتصادية في المنطقة، ويوقف النزيف البشري والمادي الهائل الذي يكلف تركيا مليارات الدولارات. ولكنه من الصعب أن يتقبل حكماً ذاتياً غير مركزي، ويعمل على طرح نظام محافظات تمنح فيها الإدارة صلاحيات أوسع. وهذه الصلاحيات لن تكون مقتصرة على المحافظات ذات الأغلبية الكردية، بل ينسحب الأمر على المحافظات التركية كلها.

ولكن حزب "العمال الكردستاني" لم يكتف بهذه الطروحات، وطالب بأكثر مما تريد أن تطبقه الحكومة التركية مقابل ترك العمل المسلح، خصوصاً أن المنطقة والصراع الدائر فيها، وتقاربه مع الإدارة الأميركية شجعه أكثر على اتخاذ مواقف أدت في النهاية إلى عودة الصراع المسلح من جديد.

حزب "العدالة والتنمية" أيضاً لم يعد كما كان عند تأسيسه عام 2002، فقد كانت الشريحة الليبرالية تشكل جزءاً مهماً من بنيته، بينما القوميون يشكلون الأقلية في الحزب، والشريحة الأكبر تتألف مما اصطلح على تسميته الإسلام المعتدل أو الديموقراطي.

ولكننا اليوم أمام "عدالة وتنمية" جديد بقي الإسلام الديموقراطي يشكل الغالبية فيه، ولكن هناك انحساراً كبيراً في أنصاره الليبراليين لصالح القوميين. حتى يمكن القول إن القوميين باتوا يشكلون ثاني أكبر شريحة في الحزب. وهذا التشكيل يريح الحزب في طرحه لدستور متشدد حول القضية الكردية، فيحافظ على أنصاره القوميين والإسلاميين، ويؤمن له في أية انتخابات مستقبلية غالبية تمكنه من الحكم.

دستور العام 1982 الذي وضعه العسكر التركي، لم يتغير حتى الآن على الرغم من اعتراض الجميع عليه، ورفضه من قبل الجميع، وإذا لم تخلق مشكلة جديدة بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" فإن الدستور الجديد سيقر عام 2017 أي بعد خمسة وثلاثين عاماً من إقرار الدستور السابق.

سيبقى شرط موافقة ثلثي البرلمان على التعديل الدستوري قائماً في الدستور الجديد، وتحقيق هذه النسبة من أجل إقرار انفراج سياسي على صعيد القضية الكردية غير متاح في الأفق السياسي التركي الراهن. وحتى مطلب حزب "العمال الكردستاني" بالعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل أيار 2015، بات بعيداً جداً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها