الخميس 2016/11/17

آخر تحديث: 13:45 (بيروت)

حلب: خطة روسية لتقويض المعارضة

الخميس 2016/11/17
حلب: خطة روسية لتقويض المعارضة
الوجهة الثالثة للعملية العسكرية هي الأكثر أهمية للمليشيات في حلب، والتي تهدف إلى السيطرة على الأحياء الشرقية (الدفاع المدني)
increase حجم الخط decrease
استأنف طيران النظام وروسيا قصف الأحياء الشرقية المحاصرة في حلب، مجدداً، بعدما حققت مليشيات النظام أهداف عمليتها البرية التي بدأت مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، لاستعادة الخسائر في الجبهات الغربية من المدينة. وأصبحت المليشيات قادرة على الانتشار أكثر وفتح جبهات جديدة ضد المعارضة التي انتقلت من الهجوم إلى الدفاع، بفعل الضغط الناري الهائل الذي تعرضت له براً وجواً.

وتتأهب المعارضة لصدّ هجوم بري متوقع للمليشيات في أكثر من محور، وقد بدأت علاماته بالظهور في زيادة القصف الروسي من الجو والبحر. ورصدت المعارضة تحركات المليشيات التي عززت من تواجدها في جبهات حلب الجنوبية والغربية، وداخل المدينة، الواقعة على تماس مباشر مع المعارضة المحاصرة.

ومع دخول الأحياء الشرقية في قائمة الأهداف الجوية خلال الساعات الـ48 الماضية، ارتفعت حصيلة القتلى إلى الضعف تقريباً، وسُجّلَ مقتل 140 شخصاً على الأقل، أكثر من نصفهم سقط داخل الأحياء المحاصرة، بينما توزع الباقون على ريفي حلب الغربي والجنوبي.

والعملية البرية المتوقعة التي تحضر لها المليشيات تشمل فتح جبهات ريف حلب الجنوبي من جديد، ومحاولة استعادة السيطرة على بلدة العيس والوصول إلى طريق حلب–دمشق الدولي، وإشعال جبهات خان طومان ومحيطها وخلصة وزيتان، والقرى والبلدات التي منيت فيها المليشيات بخسائر كبيرة في صفوفها في الربع الثاني من العام 2016 بعدما شنّ "جيش الفتح" سلسلة هجمات مرتدة كان لها الفضل في وقف زحف المليشيات. حينها تحوّلت الجبهات الجنوبية إلى محاور ثانوية بعدما فتحت المليشيات جبهات الشمال الحلبي والتي نجحت في حصار الأحياء الشرقية بعد قطع طريق الكاستللو في تموز/يوليو.

وتتعدى أهداف المليشيات مسألة الثأر في الجنوب الحلبي، وتسعى من خلال فتح الجبهات هناك إلى إحياء مسعاها الذي بدأت العمل على تحقيقه نهاية العام 2015 عبر مراحل، انطلاقاً من السيطرة الكاملة على ريف حلب الجنوبي، والوصول في النهاية إلى بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في ريف إدلب وفك حصارهما. وتعمل على هذه الخطة مليشيات "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني والعراقي، و"حركة النجباء" و"عصائب أهل الحق" العراقيان، والأفغان وغيرها من المليشيات الشيعية.

ولا تقل الجبهات الغربية وجبهات حلب المدينة أهمية عن الجبهات الجنوبية، فالمليشيات تمتلك أعداداً كبيرة من المقاتلين في حلب، تتجاوز 25 ألفاً، وصل عدد كبير منهم في الآونة الأخيرة بعدما أطلقت المعارضة معركتها الثانية وهددت الأحياء الغربية بشكل فعلي، واقتربت من هدفها في كسر الحصار.

والمحور الثاني للعملية البرية، يتضمن متابعة التقدم في جبهات غربي حلب بعدما استعادت المليشيات مواقعها في "ضاحية الأسد" ومنيان و"مشروع 3 آلاف شقة". وتحاول المليشيات التقدم والسيطرة على مناطق سوق الجبس وعقرب والراشدين الخامسة والرابعة والشمالية والمنصورة والبحوث العلمية وشويحنة وكتلة مساكن الصحفيين وخان العسل. وهي الضواحي القريبة من المدينة والمتصلة بها بشبكة طرق تشكل تهديداً دائماً لمواقع مليشيات النظام في الأحياء الغربية، باعتبارها قواعد انطلاق للمعارضة ذات تحصين عالٍ.

العمل العسكري للمليشيات في جبهات حلب الغربية مستمر ولم يتوقف منذ استعادتها المواقع التي خسرتها، وشهدت جبهات عقرب وسوق الجبس وجمعية الزهراء معارك عنيفة، الأربعاء، حاولت فيها المليشيات التقدم مستفيدة من عشرات الغارات الروسية وصواريخ أرض-أرض بعيدة المدى.

وتبقى الوجهة الثالثة للعملية العسكرية هي الأكثر أهمية للمليشيات في حلب، والتي تهدف إلى السيطرة على الأحياء الشرقية، وإجبار المعارضة فيها على الاستسلام، والخروج منها. وستحاول المليشيات استئناف الهجمات البرية، واتباع سياسة القضم للأحياء الطرفية، وبالتحديد في المدينة القديمة والأحياء الشمالية؛ مساكن هنانو وبستان الباشا، والجنوبية والجنوبية الشرقية الواقعة قرب المطار كالشيخ سعيد وكرم الطراب والشيخ لطفي. ولوحظ توجه تعزيزات عسكرية جديدة للمليشيات، تضمن عناصر وعتاداً حربياً ثقيلاً وعربات وراجمات صواريخ، إلى جبهات شرق المدينة، وجنوبها الشرقي، قادمة من معامل الدفاع، خلال اليومين الماضيين.

تقدم مليشيات النظام جاء بعدما عملت روسيا على ضرب مفاصل المعارضة المسلحة، ومخازن أسلحتها وطرق امدادها، بشكل مركز، ما أثر بشكل عملي على أدائها العسكري، وأدى إلى إضعافها بشكل واضح. ثم عادت الحملة الروسية لزيادة وتيرة القصف، وتوسعت قائمة الأهداف بشكل كبير في الأيام القليلة الماضية.

المراصد التابعة للمعارضة والتي تتابع حركة الطيران والصواريخ المنهمرة على حلب بدت مشغولة للغاية، وعلى مدار اليوم، ولا تتوقف عن التحذير من وقوع هجمات جوية روسية، تستهدف بشكل رئيس المباني والمنشآت الصناعية والخدمية والمدن والبلدات التي تشتهر بتصديرها لمقاتلي المعارضة في حلب. وتستهدف الغارات الروسية والصواريخ الاستراتيجية جميع المواقع والمباني في المحيط القريب من المدينة، والثكنات العسكرية والمباني العامة التي سيطرت عليها المعارضة. والتي تفترض الطائرات أنها مواقع عسكرية للمعارضة ومخازن أسلحة، كـ"الفوج 46" والأتارب وكفرناها ودارة عزة وخان العسل وأورم الكبرى.

ولا تستهدف الضربات الروسية مقار المعارضة في تلك المواقع بل تركز على المدنيين كما حصل في بلدة باتبو في ريف حلب الغربي، الأربعاء، حينما أغارت الطائرات الروسية على البلدة وألقت 4 قنابل عالية التدمير تسببت في مقتل 20 مدنياً وجرح خمسين، ودمرت حياً بأكمله.

الغارات الروسية التي تجاوز عددها 500 غارة جوية على حلب، الثلاثاء والأربعاء وصباح الخميس، طالت أيضاً مواقع للمعارضة في ريف حلب الجنوبي، في تل حدية وتل باجر والعيس وبنان الحص وأطراف الطريق الدولي حلب–دمشق. كما استهدفت الغارات ريفي إدلب الشمالي والشرقي القريبين من حلب، باعتبارهما خطوط إمداد تستفيد منها المعارضة في حلب، وكانت الأهداف تتوزع بشكل رئيس في محيط سراقب.

ولم تكن المقاتلات الحربية الروسية من مختلف الأنواع، التي انطلقت من حميميم في اللاذقية، ومن حاملة الطائرات قبالة الشواطئ في المتوسط وحدها من تقصف حلب، بل كانت الصواريخ بعيدة المدى المنطلقة من البحر ومن ريف اللاذقية، ومن معامل الدفاع جنوبي حلب أيضاً.

وشملت الأهداف مواقع عسكرية ومدنية وخدمية عامة من بينها مشافٍ ومستودعات أدوية أخرجها القصف من الخدمة بشكل كامل، ومن بينها 4 مشافٍ في كفرناها والأتارب وعويجل.
قائد "فرقة السلطان مراد" العقيد أحمد العثمان، قال لـ"المدن"، إن القصف الروسي المتصاعد ساعد المليشيات في استعادة مواقعها، وأهّلها للتفكير في مواصلة الهجوم، وتوسيع جبهاتها. وباتت المليشيات مرتاحة بعدما انتهت من عملية استعادة مواقعها غربي حلب، وأمنت الخاصرة الضعيفة هناك، وأبعدت خطر المعارضة عنها نحو الضواحي الغربية التي أصبحت اليوم ساحة المعارك.

وأوضح العقيد العثمان أن الخطة الروسية لم تكن وليدة الأيام القليلة الماضية، إنما بدأت بتطبيقها بعد معركة "كسر الحصار" الأولى، واستعادة المليشيات لمنطقة الراموسة وإغلاق الطريق الذي فتحته المعارضة حينها. ومنذ ذلك التاريخ بدأت القاذفات الروسية العمل جدياً على إضعاف المعارضة عبر استهدافها وتوجيه ضربات نوعية لثكناتها ومقراتها، وخطوط امدادها التقليدية. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، نجحت روسيا إلى حد ما في هذه المهمة. ولعل التحضير الشاق والطويل للمعارضة لمعركتها الثانية يوضح مدى الصعوبات التي واجهتها كي تحشد طاقاتها لخوض جولة جديدة، والتي سرعان ما توقفت بفعل العامل الروسي ذاته، بالإضافة إلى حشد المليشيات للمزيد من قواها العسكرية البشرية والحربية.

وأشار العقيد العثمان إلى أن المليشيات في حلب لم تعد تعتمد اليوم على الدعم الإيراني فحسب، بل باتت تتلقى بشكل كبير دعماً متنوعاً من روسيا، فـ"حزب الله" حصل على معدات حربية روسية متوسطة وثقيلة، وطائرات استطلاع صغيرة، وأجهزة اتصال متطورة لقيادة العمليات جنوبي حلب التي من المفترض أن تكون بقيادته بالتعاون مع "النجباء" و"الحرس الثوري" الإيراني الذي يُركز على تأمين الطوق وتوسعته في الجبهات الغربية، عبر التمدد في الضواحي. وبحسب العقيد العثمان، فقد أصبحت المليشيات جاهزة لتعيد انتشارها من جديد بعدما فرغت من مهمتها الأساسية في "امتصاص الصدمة" وإيقاف هجوم المعارضة وحرمانها من فرصة كسر الحصار.

وأشار العقيد العثمان إلى أن المشهد الدموي عاد إلى الأحياء الشرقية المحاصرة، عبر استهدافها المتواصل بغارات المقاتلات الحربية ومروحيات البراميل، والمدفعية والصواريخ، وهي تعتبر مقدمات لأعمال عسكرية برية متوقعة خلال الساعات القادمة تهدف لتضييق الخناق على المعارضة وأكثر من 300 ألف مدني محاصر، للسيطرة عليها، بعدما فشلت كل المساعي الروسية لإفراغها عبر هدن ودعوات تسليم مخادعة.

وفي آخر التطورات الميدانية، قصفت المقاتلات الروسية، وتلك التابعة للنظام، الأربعاء والخميس، أكثر من 350 هدفاً توزعت على الأحياء الشرقية المحاصرة في حلب؛ في كرم الطراب وكرم الجزماتي وطريق الباب وكرم البيك وضهرة عواد وجبل بدرو والشعار والصاخور والكلاسة والزبدية وصلاح الدين وقاضي عسكر والصالحين والفردوس وحلب القديمة. كما طال القصف الضواحي الشمالية في حريتان وعندان وبيانون، والغربية في كفرناها والمنصورة والراشدين وسوق الجبس وعقرب وجمعية الصحافيين وخان العسل وباتبو، والجنوبية في العيس ومحيطها وخان طومان وخلصة والزربة وزيتان.

وتزامن القصف المتنوع، جواً وبالمدفعية والصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، مع محاولات تقدم داخل وخارج المدينة، حيث شهدت جبهات الجندول والعويجة في الشمال أعنفها. واندلعت اشتباكات في كرم الطراب والشيخ لطفي في الجنوب الشرقي بشكل متقطع، وتمكنت المعارضة من التصدي للمليشيات غربي حلب في محور سوق الجبس وقالت إنها قتلت 10 عناصر للمليشيات على الأقل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها