الإثنين 2016/10/24

آخر تحديث: 13:51 (بيروت)

عداوات "جيش الإسلام" التي لا تنتهي

الإثنين 2016/10/24
عداوات "جيش الإسلام" التي لا تنتهي
من أهم تداعيات تظاهرة "جيش الإسلام"، عودة الحواجز إلى سابق عهدها (انترنت)
increase حجم الخط decrease
خرجت مساء الأحد، تظاهرة في مدينة سقبا في الغوطة الشرقية المُحاصرة، دعا لها ناشطون وإعلاميون مناوئون لـ"جيش الإسلام". وقد رفض المتظاهرون عودة "المكاتب الأمنية"، وطالبوا بمحاسبة المتهمين بالاغتيالات، والإفراج عن المخطوفين لدى "جيش الإسلام" وأهمهم القيادي في "فيلق الرحمن" المعروف باسم "أبو سامر كعبو". ولم يُعرف عن "كعبو" أي تدخل في الشؤون الأمنية أو المدنية، وكان يقضي معظم وقته على الجبهات قبل أن يُخطف أثناء زيارة لمدينته سقبا، منذ أكثر من عشرة شهور.

وجاءت هذه التظاهرة رداً على التظاهرة التي انطلقت الجمعة من دوما معقل "جيش الإسلام" إلى زملكا معقل "فيلق الرحمن"، وكان قد نظمها ناشطون وإعلاميون تابعون لـ"جيش الإسلام"، وتخلل صفوفها الأولى أمنيون معروفون من "جيش الإسلام".

وقد نادت تظاهرة "جيش الإسلام" بإنشاء "غرفة عمليات عسكرية" تجمع الفصائل، و"إعادة الحقوق لمن كانت وعند من كانت"، وإشعال الجبهات كافة، وإمداد الجبهات المشتعلة بالسلاح النوعي، وإزالة الحواجز المقسمة لبلدات الغوطة (رغم أنها قد أزيلت فعلاً قبل يوم واحد من التظاهرة، من قبل "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"). ومطلب المتظاهرين بـ"إعادة الحقوق"، هو إشارة إلى سيطرة "فيلق الرحمن" و"جيش الفسطاط" الذي يضم "جبهة فتح الشام"، كل على حدة، على مخازن ومعامل عسكرية لـ"جيش الإسلام" بعد الاقتتال الداخلي الذي دار بينهم قبل ستة أشهر وأدى إلى إنهاء وجود "جيش الإسلام" في معظم مناطق الغوطة.

تظاهرة الجمعة، وحال وصولها إلى زملكا، بدأت تتهم "فيلق الرحمن" بالخيانة والعمالة. وتوجهت إلى مقر قائد "فيلق الرحمن" الملازم أبي النصر شمير، فقام حرسه بإطلاق النار في الهواء لمنع تقدم المتظاهرين إلى المقر. وكان أبو النصر، قد تعرض سابقاً للضرب من تظاهرة نظمها "حزب التحرير" السلفي، الداعي لـ"الخلافة الإسلامية"، بعدما اقتحم المُتظاهرون مقرَّه.

"فيلق الرحمن" أصدر بياناً اعتبر فيه إطلاق النار في الهواء أمام المتظاهرين، عملاً مرفوضاً، وتعهّد محاسبة مرتكبيه، إلا أنه أكّد على أن تغير مسار التظاهرة إلى المقار العسكرية كان أمراً خاطئاً.

ولم تطالب تظاهرة "جيش الإسلام" -لم تعلن تبعيتها لأي جهة- بأي من المطالب التي يعتبرها الناشطون المناوئون لـ"جيش الإسلام" أساس المشكلة بين الفصائل في الغوطة، وعلى رأسها محاسبة "خلية الاغتيالات" المتهمة بالتبعية لـ"جيش الإسلام"، وإطلاق سراح المخطوفين، وإلغاء "المكاتب الأمنية" التي قُتلَ فيها العديد من الأشخاص تحت التعذيب، كـ"أبي علاء طالب" من حي جوبر الذي وصله استدعاء من "فرع 309" التابع لـ"جيش الإسلام"، قبل أن تُسلم جثته إلى أهله في اليوم التالي.

وقد كان من أهم تداعيات تظاهرة "جيش الإسلام"، عودة الحواجز إلى سابق عهدها، وسحب "فيلق الرحمن" لعناصره الذين أرسلهم لمؤازرة "جيش الإسلام" في جبهة تل كردي، وعودة التشنج إلى درجة قريبة من بداية الاقتتال قبل ستة أشهر. وذلك بعدما كان الحديث يدور عن أن الاتفاق بين "الفيلق" و"الجيش" قد أصبح وشيكاً لدرجة قيامهما بسحب الحواجز بين مناطق سيطرتهما. لكن الاتفاق، على ما يبدو، لم يكن يروق لـ"جيش الإسلام" الذي تدل كل ممارسته على عدم رضاه بوجود أي فصيل عسكري غيره في الغوطة، وعدم قبوله أي تمثيل عسكري أو مدني للغوطة، لا يدور في فلكه.

ويأتي هذا التدهور في العلاقة بين الطرفين، بعد جولة تفاوض قام بها "جيش الإسلام" مع وفد مُقرّب من النظام في الأيام القليلة الماضية. وحضرت المفاوضات جهات مدنية تتبع لـ"جيش الإسلام"، كـ"المجلس المحلي في مدينة دوما" الذي فقد استقلاليته بعدما أصبحت دوما تحت سيطرة "جيش الإسلام" المنفردة، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"مجلس أهالي دوما"..

المفاوضات مع وفد النظام، لم تثمر، بعدما فرض شروطاً رآها "جيش الإسلام" مجحفة بحقه وتقتصر على مناطق سيطرته فقط، ولم يكن ليفرضها النظام لو كان "الجيش" مسيطراً على كامل الغوطة.

ولم يتغير "جيش الإسلام" في ممارسته الأمنية، وكان آخرها الاعتداء بالضرب على منظمي محاضرة نسوية حول حقوق المرأة السياسية، بعدما رفضوا أمر أمنيي "الجيش" بإلغائها. فما كان من الأمنيين إلا أن قالوا للمنظمين، إن عليهم أن يتحملوا رد فعل الأهالي. فجاءت مجموعة من الشبان إلى صالة المحاضرة وقامت بتكسيرها وسرقة محتوياتها والاعتداء بالضرب على شابين من منظمي المحاضرة، واتهام المنظمين والمنظمات بأنهم يسعون إلى "نشر الرذيلة بين أعراضنا وتدنيس شرفنا".

وهناك تخوف لدى الكثير من نشطاء الغوطة من احتمال عودة سيطرة "جيش الإسلام" وإعادة تقييده للنشاط العام والتعدد الفكري النسبي الذي بات أمراً واقعاً في مناطق سيطرة "فيلق الرحمن".

وتبدو هذه الأزمة بين الفصائل العسكرية في الغوطة، المتداخلة مع قضايا أمنية ومدنية وجنائية، بعيدة الحل وتحتاج إلى تغيير في السلوك وإعادة الثقة، لتجنب تشتت القوة العسكرية وانشغالها بجبهتين، داخلية وضد النظام. الأمر الذي يهدد ما تبقى من مناطق في الغوطة بالسقوط في يد قوات النظام، رغم القوة العسكرية الهائلة لدى الفصائل التي تمتلك عشرات الدبابات والآليات والسلاح الثقيل، ورغم امتلاء مخازنها. أمر يجعل من سقوط الغوطة أمراً مستحيلاً، لكنه ممكن، في ظل شبح الاقتتال الداخلي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها