الأربعاء 2015/05/13

آخر تحديث: 08:08 (بيروت)

حمص القديمة كمرتكز للنفوذ الإيراني

الأربعاء 2015/05/13
حمص القديمة كمرتكز للنفوذ الإيراني
من احتفال إعادة تشغيل ساعة حمص الجديدة (سانا)
increase حجم الخط decrease

مرر النّظام، الأحد الماضي، من دون ضجيج، احتفالاً في ساحة الساعة بحمص، بالتزامن مع مرور عام على إخراج سكّان ومقاتلي الأحياء القديمة، الذين كانوا آخر سكّان المدينة الأصيلين، إلى الريف الشمالي، وكان ذلك نقطة تحول هائلة في المواجهة مع النظام، ولا شك أنها كانت أكثر مراحل الصراع دموية.

في احتفال الأحد، ظهر أنصار النظام المحتفلين بإعادة ترميم الساعة، وكأنهم في مشهد من شريط مصور جرى إيقافه مؤقتاً عند حادث فض الاعتصام الكبير في نيسان/أبريل 2011، وتم استكماله عندما مسحت آثار الاعتصام، والتظاهرات. لكل حدثٍ في حمص دلالاته، أو هو تفسير لحدث دار بعد توقف الساعة، حيث كان، ذلك الوقت، موعد بدء المجازر. والنظام، في إعادة تشغيله للساعة، إنما يودّ القول إنه متحكمٌ بالزمن، يوقف عقارب الساعة بالرصاص، ويعيد تشغيلها على هدير هتافات أنصاره الذين غابوا عن الساحة 4 سنوات، وعادوا باحتفال رعته شركة الاتصالات "سيرياتل"، وكأن ما يجري مشهد تم استحضاره من آخر مسيرة تأييد شهدتها الساحة، ليكمل فيه الزمن من حيث أراد له أن يتوقف، فخطا من فوق جثث المجزرة، وعبر قصّة الحصار.


ولعل المفارقة، أن الساعة "الأيقونة" التي امتلكتها الثورة أربع سنوات أرّقت النظام في السابق، كانت هي موضوع الاحتفال اليوم، بعدما كانت مجسّماً مصنوعاً في قطر، وموضوعاً في استوديوهات قناة "الجزيرة" (في اقتباس من صور الإنكار التي عاشها النظام بداية الثورة)، لكن في عمق هذه الحالة من المجازاة، لا غضاضة في إعادة فتح الحديث مجدداً عن حمص كمدينة شهدت حصاراً قديماً منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وحصاراً حديثاً في عهد الأسد الابن، مثل معظم المدن التي ثارت ضده، لكن الفرق في حالة حمص أنها لم تبلغ الهدنة، وأصبحت خارج الأحاديث منذ أن خرج أهلها في آخر نزوحٍ لهم منها في أيار/مايو 2014.


منذ عهد الأسد الأب، تحوّلت كل الأحياء التي تشكّل تهديداً قائماً، ومستمراً، في حمص ضد سياسات النظام، إلى جزيرة، تم تسهيل عزلها من خلال تطعيم محيطها بـ"سكّان جدد"، من أبناء الريف الشرقي على وجه الخصوص، وهم أشخاص امتلكوا امتيازات وسلطات غير محدودة، بلغت ذروتها في عهد المحافظ الذي أقيل بعد اعتصام الساعة، إياد غزال، حيث شكل امبراطورية فساد ضخمة، تمكّن النظام بفعلها من تطويع المدينة الثالثة، من حيث عدد السكان في سوريا، وحوّلها إلى أرضٍ بكر، رسم حدودها الجديدة بدقة وغربل سكانها ديموغرافياً، وكل ذلك قبل الثورة، ما سهّل لاحقاً عملية تجزئة الخطر لتسهيل احتوائه.


بدأ ذلك المخطط بتحجيم الرابطة العشائرية، في أحياء باباعمرو ودير بعلبة والبياضة وكرم الزيتون، فأصبح أثر تلك الرابطة لا يتجاوز حدود الحي الواحد، تسهيلاً في ما بعد لإكمال الطوق على المدينة تحت غطاء مشاريع التوسع العمراني في شرقها، وجنوبها الشرقي، الذي شغِلَه السكان الجدد "العلويون" في أحياء عكرمة والزهراء والعباسية، ومن الجهات الغربية والشمالية والجنوبية، أنشئت مجمّعات عسكرية، وسكنية مختلطة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتشكل في ما بينها رابطة اجتماعية بمعناها التضامني والتكافلي أثناء الأزمات، ما سهل عملية إفراغ السكان؛ وفي الحالة الأخيرة جرى تفريغ ذاتي من قبل القاطنين، أما أحياء العشائر فجرى تفريغها بشكل قسري بفعل القصف والتدمير.


تلك العوامل ساعدت على حصر خطر السكان الأصليين على النظام، ولاحقاً على عملية التفريغ الكبرى، التي غيّرت ديموغرافية حمص، ابتداءاً من هجرة المسيحيين باكراً، أواخر العام 2011، وانتهاءً بالسيطرة على الأحياء القديمة، بتنفيذ اتفاق الإخلاء من أحياء حمص القديمة، باب هود وباب تدمر وباب الدريب...، الذي استمر حوالى أسبوع من تاريخ السابع من أيار/مايو 2014، وهو أيضاً تاريخ أبرز حجم النفوذ الإيراني في سوريا. وربطاً مع أحداث بدأت مؤخراً، يقود هذا إلى أن صراعاً ما كان يخوضه الإيرانيون مع المنظومة الأمنية التقليدية آنذاك، ما قد يفسّر حالات "الاختفاء القسري" للقادة الأمنيين السوريين البارزين مؤخراً، إذ إن فترة المفاوضات الجديّة حول ملف حمص القديمة، التي بدأت بالتوازي مع انعقاد الجولة الثانية من مؤتمر "جنيف-2"، لم يبرز خلالها أيّ من أسماء القادة الأمنيين البارزين، كما أنها شهدت مسارين، أحدهما اشتغل على حلّ تفاوضي، وآخر على حلّ عسكري، كان عماده قوات "الدفاع الوطني" التي شكّلت القوة العميقة في حصار حمص. 



مطلع شهر نيسان/أبريل 2014، شهدت الأحياء المحاصرة محاولة اقتحام فاشلة من قبل قوات النظام، حصلت في الوقت الذي كان فيه الوفد المفاوض عن الأحياء المحاصرة يخوض المباحثات مع وفد النظام، ما استدعى تعليق المباحثات من قبل الوفد الحمصي، كما أن أطرافاً في المعارضة نفسها، كانت تنشط في شمال البلاد - ولها تشكيل عسكري بارز يعد قوة كبرى في الأحياء القديمة ضمن الفريق المفاوض، هو لواء الحق وقائده أبو راتب الحمصي الذي كان الأمين العام الجبهة الإسلامية أيضاً- حاولت تعطيل المفاوضات مراراً، واستمرت بذلك إلى الأيام الأخيرة التي شهدت تنفيذ الاتفاق، عندما قامت "الجبهة الإسلامية" وهي الذراع العسكرية لإخوان سوريا، وقائدها العسكري العام زهران علوش، بمنع إدخال شاحنات إغاثة تابعة للأمم المتحدة إلى الأحياء الشيعية التي تحاصرها قوات "الجبهة" في حلب، تنفيذاً لبنود الاتفاق في السماح للمقاتلين والأهالي بالخروج من حمص القديمة إلى الريف الشمالي من دون مساءلة، الذي كان يقضي كذلك بإفراج "الجبهة الإسلامية" عن 20 مقاتلاً إيرانياً وضابطاً روسياً.

لا شك أن مرور الزمن كفيل بكشف كل التفاصيل المغلّفة بالعناوين العريضة للاتفاق الدولي لتفريغ حمص، الذي كان بحق، نقطة ارتكاز لتحول كبير جرى، ويتواصل، في سوريا، بلغت إيران بموجبه مرتبة متقدمة جداً عززت من خلالها هيمنتها على الأجهزة الأمنية للنظام، بعد تآكل الجيش، لاسيّما أن ضباط الجيش لا سلطات فعلية لهم خارج الدائرة الضيقة للأجهزة الأمنية؛ ومن ذلك المرتكز، هي اليوم تملك الأذرع التي تشقّ لها طريقاً في الجنوب بدءاً من العاصمة وصولاً إلى درعا، وذلك ربما مقابل صرف نظرها عن الشمال ما يفسّر غياب قواتٍ إيرانية هناك، حيث لا يمكن أن يكون الشمال الجزء المفيد لها من سوريا بأي حال من الأحوال، على اعتبار أن راهن الحالة الآن هو صراع على 3 جزر، جنوب شرق وشمال، تشكّل الكيان السوري، كلّ واحدة منها خاضعة لنفوذ دولٍ إقليمية لها شركاء سوريين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها