السبت 2014/05/03

آخر تحديث: 23:55 (بيروت)

سوريا: عامٌ على مذبحة البيضا ورأس النبع

السبت 2014/05/03
سوريا: عامٌ على مذبحة البيضا ورأس النبع
كانت حصة حي رأس النبع 182 شخصاً قتلوا ذبحاً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
 ما تزال الأحياء التي شهدت المذبحة الرهيبة في قرية البيضا، قرب مدينة بانياس، في محافظة طرطوس، شبه خالية من سكانها. بعد مرور عام كامل على تلك الأحداث المروعة، قلة من أبناء القرية يزورون بيوتهم بين الفينة والأخرى في محاولة لبث الحياة فيها. وعلى الرغم من أن السلطات السورية كانت قد أعلنت في أعقاب المذبحة أن الحياة عادت إلى طبيعتها هناك، وعلى الرغم من أنه ليس ثمة أوامر معلنة بعدم عودة السكان، فإن أحداً لا يجرؤ على الإقامة في تلك الأحياء المنكوبة.
 
قرية البيضا، التي كان يقطنها مسيحيون ومسلمون، كانت تعرضت لحملة عسكرية شرسة في أعقاب ما قيل إنه كمين تعرضت له دورية للجيش قرب القرية، حيث بدأ القصف مدفعي العنيف للأحياء "السنية" فيها صباح الثاني من أيار عام 2013، ثم تم اقتحام القرية من قبل مئات المسلحين الموالين للنظام السوري من القرى المجاورة. استمرت المذبحة حتى صبيحة الرابع من أيار، وقتل جراءها مئات المدنيين بينهم نساء وأطفال. حصل ذلك بالتزامن مع مذبحة مماثلة في حي رأس النبع جنوب بانياس، ومع حملات دهم واعتقال في قرى المرقب وبيت جناد والبساتين والعديمة المجاورة.
 
"هيومان رايتس ووتش" كانت قد أوردت في تقريرها الصادر في سبتمبر عام 2013 بعض تفاصيل ما جرى في تلك الأيام، حيث تحدث التقرير عن قيام الميليشيات الموالية للنظام السوري بفصل النساء عن الرجال، وتصفية أعداد من المدنيين بالرصاص من مسافة قريبة، وجرى "إعدام 23 سيدة و14 طفلاً، بينهم رضع" حسب ما جاء في التقرير. 
 
كما تحدث التقرير عن تكديس الجثث وإحراقها، وعن صعوبة توثيق أعداد وأسماء الضحايا، وأورد شهادات عن تصفية عائلات بكاملها وإحراق للبيوت والسيارات ونهب لممتلكات السكان.
 
من جهتها، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل 202 شخصاً في البيضا، و182 شخصاً في رأس النبع، كلهم من المدنيين في تلك المذابح، لكن المؤكد أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير إذ لا يزال هناك عشرات المفقودين الذين لم يعثر على جثامين لهم. 
وإذا كانت الحياة قد عادت إلى طبيعتها في حي رأس النبع، وعاد عدد كبير من سكانه إليه خلافاً لقرية البيضا، فإن آثار المذبحة لا تزال واضحة في هذا الحي أيضاً، إذ يمكن مشاهدة بعض المنازل المحترقة فيه بمجرد المرور على طريق طرطوس- اللاذقية الدولي.
 
نزح أهالي قرية البيضا باتجاه سهل البيضا المجاور، وإلى بانياس وطرطوس وجبلة، ولا يزالون يقيمون حتى الآن في تجمعات نزوح وبيوت متفرقة، في حين لا يزال عدد كبير من رجال القرية في معتقلات النظام. أحد النازحين من قرية البيضا قال لـ"المدن": "ثمة قرار غير معلن بإفراغ القرية من سكانها إلى الأبد على ما يبدو، لم تعد الخدمات إلى القرية ولم يتم إصلاح بناها التحتية، وحتى شبكة الإنارة الطرقية التي تم إصلاحها على نفقة جهات غير رسمية لم تتم تغذيتها بالكهرباء، وتم إعادة تخريبها لاحقاً، وبعض العائلات التي حاولت العودة تعرضت للتنكيل كما تعرض بعض أفرادها للاعتقال والتصفية".
 
في الخامس من شهر آب، العام الماضي، نفذت المليشيات الموالية للنظام حملة دهم في القرية شبه الخالية، حيث تم طرد بعض العائلات التي كانت تحاول العودة للاستقرار في القرية، وتمت تصفية واعتقال عدد من أفرادها، كما تم إحراق ونهب بعض البيوت مجدداً، وتم تخريب ونهب شبكة الإنارة الطرقية الجديدة التي سبقت الإشارة إليها، وتواصلت أعمال نهب القرية لاحقاً بالتدريج، حيث يمكن القول إن جميع منازل القرية اليوم باتت فارغة من أثاثها وتجهيزاتها، كما أن البنية التحيتة في القرية أصبحت مدمرة ومنهوبة بشكل كامل.
 
فضلاً عن ذلك، رفضت السلطات السورية السماح للأطفال من أبناء القرية بالالتحاق بالمدارس القريبة من أماكن نزوحهم، وبذريعة عدم إقفال مدرسة القرية تم إلزامهم بمتابعة دراستهم فيها، حيث يذهب الأطفال المقيمون في سهل البيضا في منطقتي "الوطى والقرير" إلى مدرسة القرية كل يوم، ويتلقون الدروس على مقربة من بيوتهم المحترقة والمنهوبة، وعلى مقربة من المدافن الجماعية لأقاربهم.
 
تتواصل المعارك الطاحنة في أرجاء سوريا، بما فيها شمال الساحل السوري، ويواصل النظام السوري ارتكاب مذابحه بحق المدنيين بمختلف صنوف الأسلحة، فيما يواصل المجتمع الدولي عمله على تفكيك الأسلحة الكيماوية للنظام، متجاهلاً أن "وسيلة القتل ليست مما يهم الضحايا وأقاربهم" حسب ما جاء في تقرير "هيومان رايتس ووتش" حول مذبحتي البيضا وراس النبع.
 
increase حجم الخط decrease