الثلاثاء 2013/04/16

آخر تحديث: 08:19 (بيروت)

عفو خاص جداً

الثلاثاء 2013/04/16
increase حجم الخط decrease
يستغل الرئيس السوري بشار الأسد عشية ذكرى عيد الجلاء ليصدر مرسوم عفو عام شامل للبلاد بأسرها. مرسوم يقول عنه وزير العدل السوري نجم حمد الأحمد إنه "مرسوم تاريخي... يشمل الغالبية العظمى من الجرائم بأنواعها المختلفة وبدرجات متفاوتة". 
 
للمرة الثالثة في عامين متتاليين يصدر الأسد مرسوم عفو عام يجبّ ما قبله، لكنّه في ما يبدو لا يشمل بعفوه إلا الأجهزة الأمنية ولجانها الشعبية التي تستمر في حصاد السوريين واحداً تلو الآخر. كيف يمكن الاقتناع باللعبة المكررة للعفو والرحمة الوطنية وسيادة القانون التي تدور في أروقة القصر الجمهوري؟ ثمة ما يزيد عن 194 ألف معتقل سياسي في سوريا تصرّح عنهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان، كما أن رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب نشر الثلاثاء على صفحته الشخصية: "نريد عفواً عن الجرائم والإفراج عن كل الأبرياء المعتقلين الذين يزيد عددهم عن 160 ألف شخص بينهم النساء والأطفال". مؤكداً أنه إن حدث ذلك بالفعل فإن هذا سيكون بمثابة "إحدى علامات حل سوري". هل حقاً يمكن التأمل بأن يكون هذا العفو مختلفاً؟
 
تاريخ العفو العام لدى النظام السوري لا يبشر بالخير. يتتابع العفو تلو الآخر متجاوزاً آلاف المعتقلين لأسباب تتعلق بالنشاط السلمي أو السياسي، ويتبحّر في التفاصيل القانونية في الوقت الذي يقبع فيه أغلب المعتقلين السياسيين في أقبية الفروع الأمنية بلا تهمةٍ أو محاكمة. أسماء مثل المدونة طل الملوحي والطبيب محمد عرب والمحامي خليل معتوق والسياسي عبد العزيز الخير والصحافي مازن درويش والمدون حسين غرير والممثل زكي كورديللو وولده مهيار... آلاف الأسماء تتعاقب مع تساؤلاتٍ تستنكر إصرار النظام السوري على اعتقالهم هذه المدة الطويلة التي لم ينفع معها إصدار ثلاثة مراسيم عفو عام متتالية. بينما إبان العفو الأول في العام 2011 خرج الأسد في خطابه الثاني ليؤكد انتشار الفوضى المسلحة في البلاد بعد أن قام بالإفراج عن أكثر من ثلاثين ألف محكوم بجناياتٍ وجرائم شائنة بمرسوم عفو رسمي بقي على إثره المعتقلون السياسيون حبيسي أقبيتهم.
 
النظام السوري يسمح لنفسه بتفصيل عفو وفق رغباته وأهوائه، فيختبئ خلف عبارة "العفو لا يتضمن الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب"، بالطبع يمكن لهذا القانون أن يطول ويقصر ويفسّر على هوى الأجهزة الأمنية وفق غايات أخرى بعيدة كل البعد عن المعتقلين السياسيين ونشطاء الثورة. وبالطبع يمكن الاحتماء خلف القانون والتهم القانونية والاستفاضة في المستثنى منها وغير المستثنى، في بلادٍ يعتقل فيها المدنيون بلا تهمة، ثم يستمر تعذيبهم حتى إقرارهم بالتهم المجهزة لهم سلفاً وتوقيعهم على الإقرار بها. لا يوجد مخرج آخر سوى الموت الذي حصد حتى الآن أكثر من 2300 ناشط مدني ماتوا تحت التعذيب.
 
ما الذي يريده الأسد من العفو الآن؟ يبدو أنّ الرغبة في إغواء من يفكرون بإلقاء السلاح من المعارضين هو الدافع الأكبر، وبشكلٍ ثانوي إعادة الفارين من الجيش بعد أن ارتفعت أعدادهم، وليس من الغريب الاستفادة من المجرمين الذين سيفرج عنهم في حال الحاجة للمزيد من مرتزقة اللجان الشعبية. 
 
ينبغي التساؤل عن مدى جدوى العفو العام في ظل غياب القانون وغياب الدولة وسيطرة الأجهزة الأمنية. والتساؤل عن معنى العفو العام الذي يعجز عن إخراج متهم "بالتظاهر السلمي غير المرخص" الذي يعتبر جنحةً حتى في القانون السوري الحالي. ينبغي أيضاً التفكير في جدوى العفو عن المعتقلين السياسيين في الوقت الذي يستمر فيه اعتقال المئات من النشطاء المدنيين يومياً. هذه الأسئلة كلها ليست سراً مخبأ ولا مغيبة عن الوعي السوري اليومي، لكنّها طبعاً لن تصل إلى مسامع النظام، وبينما يقوم الأسد الآن بتسجيل لقاء تلفزيوني مع القناة الإخبارية السورية لعرضه في ذكرى الجلاء، لا شك في أن الحديث سيدور عن أهمية هذا العفو والثقة المتبادلة بين الأسد و"شعبه" السوري وعن بعد نظر القيادة الحكيمة التي توجد الحل الفعال لمشاكل البلاد، وعن اتهام كل من يشكك في جدوى هذه القرارات وفعاليتها بالعمالة والخيانة والمشاركة في "المؤامرة الكونية".
 
 
increase حجم الخط decrease