الأحد 2015/01/11

آخر تحديث: 16:56 (بيروت)

شكوك تحيط بالعبادي: طريق للتهدئة باتجاه التقسيم

شكوك تحيط بالعبادي: طريق للتهدئة باتجاه التقسيم
الجميع يتفق على أن فترة حكم حيدر العبادي تعكس التوازنات الدولية مع تزايد غياب وزن للعراق
increase حجم الخط decrease
فوجئت وأنا أوجه أسئلتي لجمعٍ من المتابعين العراقيين، من مشارب واتجاهات متباعدة أحيانا، من تقارب توجساتهم، إن لم أقل مواقفهم، بخصوص الحقبة التي يعيشونها، والتي يمرّ بها العراق. فلا أحد هنا يعتقد بأن البلاد ما تزال سائرة على طريق مشروع يؤمن إعادة بناء وحدتها وطنياً، وبالذات على مستوى الدولة والكيان، في حين ترجّح الغالبية بما يقرب من القناعة، أن يكون العراق متجهاً على هذا الصعيد نحو الاسوأ، وصولاً إلى التقسيم، وإلى اختفاء كيانه الحالي من خريطة الشرق الأوسط.

ليس من المؤكد أن من يحملون مثل هذه القناعة يملكون معطيات تبررها، بقدر ما ينطلق هؤلاء أحيانا من عجز عن ربط الظواهر المستجدة، أو التي صاروا يلاحظونها، من دون أن يتوصلوا لتفسير مقنع لها. من قبيل ذلك على سبيل المثال، تراجع أو حتى انحسار التفجيرات والعمليات الانتحارية خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة في بغداد، وصولاً إلى توقفها بشكل شبه التام مؤخراً، ما يعطي الانطباع بأن "صفقة ما" قد جرى التوصل إليها دوليا وإقليميا لغرض بعينه، لم تتضح معالمه بعد.


البعض يضخم الدور والموقف الأميركي، وكأنه الحاسم والوحيد، وإذا ذُكر دور الإيرانيين، أوحتى روسيا، يعمد هذا المعسكر، إلى التنوية بوجود "اتفاق إيراني أميركي" لا أحد يجزم قاطعاً، بإنه يتضمن تقسيم العراق، مع إن هذه النغمة تتردد وكأنها حقيقة مُتفق عليها، بدلالة التحرّكات الأميركية، كما تبدو من خلال زيادة القوات وعملها في المناطق الغربية، وممارسة التدريبات لبعض العشائر، أو القوات النظامية، ذلك غير ما يشيعه الأكراد من أجواء توحي بحصولهم على ضمانات سرية تؤيد نيلهم "الاستقلال".


بالإجمال، الجميع يتفق على أن فترة حكم حيدر العبادي تعكس التوازنات الدولية، مع تزايد غياب وزن للعراق، وإن الرجل قد جاء، أو جيء به بالأصل، كي يلعب دور عنصر تجسيد الإرادة المشتركة لحصيلة التوازنات الدولية الإقليمية، من دون اعتبار يُذكر للمصالح الوطنية العراقية، ممثلة بوحدة الكيان والمجتمع.


لامشكلة للعبادي مع المملكة العربية السعودية، ولا مع الأميركيين أو الإيرانيين، أو حتى الأتراك. الكلّ مقبولون، والكل وفي مقدمتهم الأميركيون، حاضرون وبقوة، وعلى قدر فعاليتهم في "العبادية" التي بلا عراق، على قدر تزايد الظن لدى أوساط واسعة، بإن القرار"الدولي" الإقليمي قد استقرّ على الأرجح أخيراً على تقسيمه، وإن العبادي سيكون أداة تنفيذ هذا القرار، من دون معارضة أو مقاومة تذكر.


ضمن أجواء من هذا القبيل، يزداد الميل للتنوية بأية تصريحات يمكن أن تعزز مثل هذا الانطباع، فيتم التوقف عند قرب مناقشة حزب الدعوة لفكرة " الأقاليم"، ورغبته بمعالجتها خلال مؤتمره المقبل، هذا عدا عن الاشارة للمطالبة التي تتردد في جنوب العراق، وبالأخص في البصرة، بإقامة إقليم هناك، أو تضخيم تصريحات صادرة عن بعض السياسيين، ذهبت مؤخراً للقول بأن العراق كان أيام العثمانيين موزعاً إلى أقاليم، وأن لا شيء يمنع من عودته لتلك الصيغة.


أحد كوادر الحشد الشعبي يعتقد أن مسالة وجود إرادة وطنية تمثلها دولة مركزية هي خارج البحث أو التجسيد، وأن المليشيات والحشد الشعبي، لايخضعون أو يعبرون عن سياسة مركزية تقررها بغداد، كما يعتقد أن الأمر في الممارسة القتالية العملية، غالباً ما يتجلّى تناقضاً كلياً بين إرادتين ووجهتين، فالمليشيات والحشد يعانون من غياب الجيش في المعارك، وغالباً من تكرار إسهامه في فقدان المواقع التي يتمّ تحريرها على أيدي المقاتلين من خارج الجيش النظامي، بينما يعمد ضباطه وعمدوا، إلى "بيع" أكثر من موقع تم تحريره من يد "داعش"، وسُلم للقوات النظامية، مما اضطر قوات الحشد والمليشيات مؤخراً، إلى عدم ترك المواقع المُحررة بيد الجيش والقوات المسلحة النظامية لوحدها من دون مشاركة ورقابة من المليشيات.


ما المتوقع في مثل تلك الحالة على صعيد النتائج أو الأهداف المرجوة كما تفصح عنها الخطط العسكرية، وعلاقتها بسياسة الحكومة المركزية، وإلى أي حد سيكون مسار المعارك مقلصاً لنفوذ العبادي، ولظهور وتكريس زعامات موازية، بينما هو عاجز عن إعادة بناء جيش خاضع لقيادته، ويتمتع بقدرة على الفعل، عدا عن الحسم، بضوء أجواء الإنهيار الضخم الذي أعقب سقوط الموصل وبقية المحافظات بيد "داعش" منذ حزيران الماضي، هذا إذا نظرنا للأمور من زاوية المستقبل القريب، وبالأخص إذا أصرّت المليشيات والحشد، على اقتحام تكريت كما هو متوقع قريباً، قبل التوجه إلى الموصل.


كلّ هذا يكرس يوماً بعد يوم، حالة من تضاؤل حضور وزن المركز، مع ازدياد توزع الإرادة الوطنية، وتفتتها الموضوعي، ما يضخم القلق بخصوص وحدة الكيان، أو احتمالات ضمان استمرارها على المدى المنظور، ويجعل تلك الأجواء طاغية ومهيمنة على المزاج العام، بقدر ما يعطي للبعض الانطباع بأن هذا الشعور بحد ذاته، ليس بعيداً عن "صناعة" متعمدة، هدفها تهيئة الراي العام لقبول خطوة خطيرة، يعتقد الغالبية أنها تلوح في الأفق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها