الخميس 2014/04/17

آخر تحديث: 01:32 (بيروت)

في معنى كلمة نائب

الخميس 2014/04/17
increase حجم الخط decrease
بين كلمة نائب في مجلس للنواب في بلد ما وبين كلمة نائبة، وجمعها نوائب أو نوب، صلة قربى علينا أن نعترف بها، نحن الذين ننتمي إلى فئة المواطنين الذين يوصلون نواب الشعب إلى المجالس النيابية.  تقودني إلى هذه المقاربة والمقارنة والمواءمة كواقع وكاحتمال أمثلة قدمتها لي على امتداد حياتي الطويلة معرفتي عن قرب قريب في بعض الحالات، وعن بعد متفاوت في المكان والزمان في حالات أخرى، بمسار العمل النيابي في العديد من البلدان ومنها بلداننا العربية، وبلدنا لبنان من ضمنها.  
لن أدخل هنا في الحديث عن أشباه المجالس النيابية وأشباه النواب فيها في البلدان التي سادت وتسود فيها أنظمة استبدادية عائلية وعسكرية ومدنية ودينية وسوى ذلك مما يُعرف ويُعرَّف بالأنظمة الاستبدادية.  ولن أدخل في الحديث عن أشباه المجالس النيابية وأشباه النواب في البلدان التي اتخذت صفة واسم الاشتراكية ذات الحزب الواحد والعقيدة الأيديولوجية الواحدة والوحيدة.  فكل من هذه الأنواع من المجالس النيابية والنواب فيها بالمفرد وبالجمع لا صفة لها تربطها لا من قريب ولا من بعيد بما توصف به المجالس النيابية التي تتشكل من نواب ينتخبهم الشعب وفق قوانين انتخابية ديمقراطية أو نصف ديمقراطية أو أقل من ذلك أو أكثر. 
ما يهمني هنا بالتحديد المجالس النيابية في البلدان التي تدعى بحق أو بغير حق أن أنظمتها هي أنظمة ديمقراطية وأن المواطنين الأحرار فيها هم الذين ينتخبون نوابهم إلى المجالس النيابية، ويمارسون فيها بالنيابة عن الشعب مهماتهم ووظائفهم الديمقراطية.  لكن لقوانين الانتخاب في الأنظمة الديمقراطية الكاملة الصفات دوراً أساسياً في صحة التمثيل.  فإذا كان القانون الذي بموجبه يتم انتخاب النواب غير ديمقراطي فإنه ينتج، برغم أنف المواطنين، مجلساً نيابياً غير ديمقراطي، أي غير ممثل تمثيلاً صحيحاً لإرادة الشعب.  الأمر الذي يجعل المجلس النيابي، المنتخب وفق هذا النوع من القوانين، مجلساً لا تربطه صلة حقيقية بالناخبين.  إذ تصبح للنواب فيه وظائف تعبر عن مصالح من أتى بهم إلى الموقع الذي يحملون فيه صفة النواب، لكن بالمعنى المختلف عن المعنى الأصلي للنائب في الأنظمة الديمقراطية.  ومثل هذا النوع من المجالس النيابية هو السائد في العديد من البلدان، ومنها بلداننا العربية وشبيهاتها من البلدان الآسيوية والأفريقية ولو في مستويات مختلفة.  هنا بالذات يبرز الالتباس الذي أشرت إليه في مطلع هذه التداعيات بين كلمة نائب ونائبة ونوب.  إذ يصبح مجلس النواب المعين في البلد المعين قادراً من دون أعجوبة على التشريع في الاتجاه الذي يخالف ويعارض المعنى الذي تدل عليه وتعبر عنه من حيث المبدأ كلمة نائب عن الشعب، يمثل مصالحه ويشرع ما يؤمن له حقوقه.
لا أظن أنني بحاجة إلى القول بأن المجالس النيابية في بلدنا لبنان منذ تكونه، قبل الاستقلال وبعده، كانت تتشكل وفق قوانين انتخابية غير ديمقراطية في ظل نظام أعطى منذ البداية صفة النظام الديمقراطي لأنه ظل يحترم تداول السلطة في كل المؤسسات الدستورية.  ولأن قوانين الانتخاب في بلدنا كانت وما تزال قوانين غير ديمقراطية فهي كانت وما تزال تأتي بمجالس نيابية ينقصها الكثير من التمثيل الصحيح للشعب بمكوناته المختلفة.  إلا أنها كانت مع ذلك تأتي، بهذا القدر أو ذاك، بنواب يحملون معهم، بهذا القدر أو ذاك، ما يمكن الاصطلاح على تسميته بالمصالح الشعبية العامة.  لكن تلك المجالس بكل تركيبتها السياسية والاجتماعية الهجينة، كانت مجالس نيابية غير ديمقراطية بالمعنى الأصلي وبالمعنى الواقعي للكلمة، أي غير ممثلة تمثيلاً صحيحاً ودقيقاً للشعب في مكوناته المختلفة، لا سيما الفئات المحدودة الدخل من الموظفين في إدارات الدولة والمؤسسات التابعة لها، وفي المؤسسات الخاصة على اختلافها، والمهمشون الذين يتزايد عددهم في صورة متواصلة بفعل الأزمات السياسية وما يترتب عليها من انهيار وخراب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. 
وأستدرك، قبل الدخول في الملموس فيما أريد قوله، بأن الإطلاق في ما أنا منخرط في الحديث عنه غير جائز، والقطع بالأحكام كذلك غير جائز.  واستناداً إلى ما تقدم أطرح على نفسي وعلى القارئ بعض الأسئلة أو التساؤلات، من موقعي كمواطن أنتمي إلى إحدى الفئات الشعبية التي أشرت إليها، تتعلق بما يعج به الشارع اليوم فيما يشبه اليقظة المتأخرة، التي تسبق الانتفاضة أو ما يشبهها.  وهي أسئلة وتساؤلات أزعم أنها تعبّر عن الخلل الأساسي في نظامنا الديمقراطي الذي لن أدخل في توصيفه.  فصفاته معروفة بكاملها لدى اللبنانيين، ولا تحتاج مني إلى تعريف.
السؤال أو التساؤل الأول يتعلق بالموقف من هدر المال العام الذي نأت جميع المجالس النيابية بنفسها عن مساءلة ومحاسبة الضالعين فيه "على عينك يا تاجر"!  وأذكر في هذا السياق الشعار الذي طرحه كمال جنبلاط وبشارة الدهان في مطالع خمسينات القرن الماضي، شعار "من أين لك هذا"، الذي ظل شعاراً ولم يأخذ طريقه إلى المجالس النيابية المتعاقبة.
السؤال أو التساؤل الثاني يتعلق بالديون التي تراكمت وصارت عبئاً على ميزانية الدولة، وعلى الشعب بأسره، من دون أدنى خطة لإيقاف تراكمه، وتراكم النتائج الكارثية المترتبة عليه في سائر مرافق البلاد، وفي حياة الشعب.
السؤال أو التساؤل الثالث يتعلق بالأملاك البحرية والبرية التي ما زالت تستباح منذ عشرات السنين وتنأى المجالس النيابية والحكومات المتعاقبة بنفسها عن اتخاذ أي قرار يحد من هذا الاستهتار الفاضح بالمال العام.
السؤال أو التساؤل الرابع يتعلق بالكهرباء التي تشكل في حياتنا اليومية، دولة ومواطنين، عبئاً مالياً وحياتياً مفروضاً، بقوة أصحاب المصالح من كل الأنواع، على ميزانية الدولة وعلى المواطنين على حد سواء، فيما يبدو "ضرورة" من ضرورات الهدر للمال العام "على عينك يا تاجر"!
السؤال أو التساؤل الخامس يتعلق بحقوق موظفي الدولة في كل مؤسساتها ومرافقها، ومن ضمنهم المعلمون الذين توكل إليهم مهمة تربية الأجيال الجديدة، وسائر أصحاب الحقوق من العاملين بالأجر في المؤسسات الخاصة.  لماذا لم يشرع مجلس النواب ولماذا لم تتخذ الحكومات المتعاقبة الإجراءات التي تحفظ لأصحاب الحقوق حقوقهم في الأجور في الوقت الضروري، وفق ما يقتضيه التعامل مع المواطنين في تأمين حقوقهم في الأجور التي تتطابق مع كلفة المعيشة، وعدم الانتظار إلى هذه المرحلة التي تراكمت فيها الأعباء لتصبح الدولة عاجزة عن معالجتها، وتترك أصحاب الحقوق عرضة للمتاعب والمصائب والعجز عن تأمين تكاليف الحياة اليومية في أبسط جوانبها.
السؤال أو التساؤل السادس يتعلق بالسكن.  وهي الكارثة الكبرى التي تراكمت عبر السنين بحيث أصبح حلها أمراً يستعصي على الإمكان في أي من الاتجاهين اللذين يعبّران عن مصالح أصحاب الأملاك من جهة ومصالح المستأجرين من جهة ثانية.  ذلك أن قانون الايجارات المتداول هو كارثة بالنسبة للمالكين، في حين أن القانون الذي أقرّه مجلس النواب هو ذ كارثة بالنسبة للمستأجرين.  لماذا لم تفكر الدولة في مجالس نوابها المتعاقبة بوضع خطة سكنية تراعي فيها مصالح أصحاب الدخول المحدودة، وتترك للمستثمرين في العقارات مجالات استثماراتهم على هواهم؟
السؤال أو التساؤل السابع يتعلق بما هو أمر أولي، يسبق كل هذه الأسئلة والتساؤلات التي طرحتها، أعني قيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، التي طال انتظارها، وتعذّر قيامها بقرار داخلي وإقليمي منذ قديم الزمان.  لكن قيامة الوطن تسبق قيام هذه الدولة.  ذلك أن الوطن اللبناني برمته مخطوف منذ عقود من الداخل والخارج، وخاطفوه معروفون بالأسماء الصريحة.  وبين هؤلاء وأولئك من هم كاملو الأوصاف، وبينهم من هم ذوي أوصاف غير مكتملة.
هذه الأسئلة والتساؤلات هي، وسواها مما لم أورده هنا، مظاهر لأوضاع هجينة تواجهنا في بلدنا لبنان في هذه الحقبة من تاريخها المفتوحة على كل الاحتمالات بما في ذلك أكثرها تشاؤماً، من دون أن نتخلى عن حقنا في التفاؤل بمستقبل أفضل ولو في الخيال.
استناداَ إلى هذه الأسئلة والتساؤلات أعود إلى ما بدأت به هذه التداعيات فأطرح للنقاش المسألة المتعلقة بدور النائب ووظيفته في المجلس النيابي، ودرو المجلس النيابي مجتمعاً.  هل قام نوابنا بالمفرد وبالجمع، من دون إطلاق،بالدور والوظيفة اللذين يعودان لهم، في محاولة الإجابة عن الأسئلة الآنفة الذكر، خلال مناقشاتهم للمشاريع التي عرضت أمامهم، والتشريعات التي أقروها في الأعوام السابقة؟  وهل هم في هذه الأيام العصيبة بالذات التي قادت كثرة كبيرة من اللبنانيين للخروج إلى الشارع غضباً واحتجاجاً لا ندري إلى أين يمكن أن يصل بهم؟ وهل النواب هم في مستوى القدرة على مواجهة المهمات الموكلة إليهم بصفتهم نواباً عن الشعب، بحق أو بغير حق؟
في الجواب عن هذا السؤال، الجواب الواقعي من دون تعسف، يمكننا أن نصل إلى تحديد الفارق بين كلمة نائب في معناها الأصلي، وكلمة نائبة، وجمعها نوائب أو نوب، ودائماً من دون إطلاق وجزم!
لكن المهم في الأصل هو انتظار ما سيقرره المواطنون اللبنانيون الذين خرجوا إلى الشارع غاضبين، وانتظار ما سيفعله النواب بالمفرد وبالجمع في الجواب على حركة الشارع.  ولنترك للمواطنين أنفسهم أن يقرروا ما سيكون عليه جواب مجلس نوابهم وحكومتهم.  هل سيتمسكون حتى النهاية بالدفاع عن حقوقهم، ويرتقون بوعيهم ويقوموا بانتفاضة ضد كل ذلك التاريخ من العسف، ويطرحوا شعار التغيير الديمقراطي بكل معانيه، وبكل موجباته، من أجل مستقبل أفضل لهم وللوطن، أم أنهم، بسبب تفرقهم، سيستسلمون إلى "قدرهم" البائس الذي هم فيه، و"قدر" وطنهم البائس الذي لم يجد حتى الآن من ينقذه من الخراب؟
 
increase حجم الخط decrease