الثلاثاء 2014/04/15

آخر تحديث: 20:40 (بيروت)

سكين الكهرباء مفتاح السياسة

الثلاثاء 2014/04/15
increase حجم الخط decrease
في مداخلة هاتفية ضمن برنامج تلفزيوني، خرج وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، على ملايين المشاهدين معلقاً على أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي بدأت هذا العام مبكراً، أي قبل ذروتها الصيفية، وبمعدلات قياسية غير مسبوقة، ليعلن أنه، هو نفسه، يعاني انقطاع الكهرباء في محل سكنه بالتزامن مع حديثه إلى البرنامج. لاحقاً، وفي تصريح نشرته جريدة "الأهرام" الأسبوع الماضي، أعلن شاكر أن حل أزمة أنقطاع الكهرباء هذا الصيف "أمر مستحيل"، معترفاً بأن الأزمة ستحتاج "سنوات قليلة" لحلها، في إقرار هو الأوضح والأكثر أمانة من قبل الحكومة حول الأزمة منذ تفاقمها.

معضلة الطاقة ارتبطت في الأذهان بفترة حكم الإخوان القصيرة، والتي ادعى بعض معارضيهم أن وراءها التوسع في إمداد قطاع غزة بالطاقة على حساب المصريين،  وألصق الرئيس مرسي المسؤولية عنها، في أحد خطاباته الأخيرة بـ"الراجل اللي بينزّل سكينة الكهربا". غير أن جذور المشكلة تعود إلى عقود من سوء التخطيط  والافتقار حكومات مبارك المتعاقبة إلى الرؤية المستقبلية، إضافة إلى غياب الرقابة والشفافية في عملية اتخاذ القرار وتنفيذ سياسات الدولة المتعلقة بالطاقة.    

 تعتبر مصر ثاني أكبر منتج للغاز، وخامس أكبر منتج للبترول في إفريقيا، تصدّر حوالى 15 في المئة من إنتاجها من البترول الخام و18 في المئة من إنتاجها من الغاز الطبيعي بعائد وسطي سنوي يقدّر بأربعة مليارات دولار، حتى العام 2010. إلا أن تآكل الاحتياطي البترولي وثبات معدلات استخراجه خلال العقد الماضي، مقروناً بزيادة مضطردة في استهلاك الطاقة بمعدل خمسة في المئة سنوياً, نتيجة الزيادة السكانية وارتفاع نسب ملكية السيارات الخاصة والتوسع في الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة، إضافة إلى معدلات الهدر العالية المقترنة بضعف الإستثمارات اللازمة لتحديث منظومة الإنتاج والتوزيع والإستهلاك الصناعي، كلها أسباب قادت إلى توسيع الهوة بين الإنتاج والاستهلاك بنهاية العقد الماضي. وكنتيجة للزيادة المتسارعة في استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة ٩ في المئة سنوياً، أي 27 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية, أصبح إنتاج مصر من الغاز الطبيعي كافياً فقط لتغطية ٨٠ في المئة من الاستهلاك المحلي والتزامات التصدير. الأمر الذي دفع الحكومة إلى عدم الوفاء بالتزامات التصدير والإستيراد لاحقاً لسد العجز في الإستهلاك المحلي، بمديونية بلغت، في أكتوبر 2013، أكثر من ست مليارات دولار لصالح المصدرين الدوليين.

ساهم الدعم الخليجي السخي للحكومة المصرية، بعد 30 يونيو، في إنقاذ منظومة الطاقة المصرية من الانهيار. لكن  يبدو أنه لا يمكن الحفاظ على الوضع القائم، في المدى المتوسط من دون اللجوء إلى تغييرات جذرية: في منظومة إنتاج الطاقة وتوزيعها ودعمها، وفي سياسات الدولة الإستثمارية وأولوياتها، وفوق الكل في طرق اتخاذ القرار والرقابة على التنفيذ.  فتعديلات جذرية لا مفر منها في منظومة دعم الطاقة، المستحوذة على أكثر من ٨٠ في المئة من ميزانية الدعم الإجمالية والتي يذهب معظمها لدعم سعر الطاقة لملاك المصانع والأنشطة التجارية كثيفة الإستهلاك إضافة إلى وقود السيارات الخاصة، ربما تقود إلى صدام سياسي عنيف لا يمكن تفاديه سوى بتوافق مجتمعي واسع، واستعداد القطاعات الأكثر يسراً لتقديم التنازلات.

على مستوى آخر, يبدو أن محاولة الحكومة الأسبوع الماضي، لترضية كارتيلات صناعة الأسمنت بالسماح لها باستخدام الفحم الحجري بدلاً من الغاز الذي خفضت الدولة توريده لها، قوبلت بموجة نقد إعلامي وحقوقي عنيفة، بل بتمرد من داخل الحكومة ذاتها ممثلاً في وزيرة البيئة التي رفضت القرار بشدة، ما يذكر بالمشكلات المتكررة المتعلقة بالرفض الأهلي لمشروع محطة "الضبعة النووية"، والتي انتهت باجتياح سكان المنطقة للمحطة واحتلالها مرات عديدة تزامناً مع ثورة يناير وبعدها.  

 لا بديل أمام الدولة من التعامل مع  أزمة الطاقة العنيفة، سواء في ما يخص منظومة الدعم أو مصادر الطاقة البديلة على المديَين المتوسط والبعيد. لا بديل من الدخول في حوار مجتمعي حول الحلول والبدائل والمواءمات السياسية وتحقيق توافق أهلي واسع حول تنفيذها، وإلا فمواجهة غضب شعبي ستصعب السيطرة عليه أو ترويضه طويلاً. وفي كلتا الحالتين، على الدولة أن ترضخ في النهاية  لقبول تمثيل سياسي لمواطنيها، وبالتالي تخضع مؤسساتها لرقابة لاحقة على سياساتها العامة.

هكذا، تبدو أزمة الطاقة، مع غيرها من الأزمات، مفتاحاً للسياسة ومدخلاً لها. وربما يأتي اعتراف وزير الكهرباء بشفافية عن عمق الأزمة ومداها الزمني، كخطوة أولى في اتجاه احترام الدولة لمواطنيها. خطوة يجب أن تتبعها خطوات أوسع في الاتجاه ذاته، يحدوها الأمل في أن السياسة هي ابنة الأزمات.
 
increase حجم الخط decrease