الخميس 2014/04/17

آخر تحديث: 19:10 (بيروت)

ثلاثة رؤساء.. حتماً

الخميس 2014/04/17
increase حجم الخط decrease
يترقب العالم العربي، وبكثير من التشويق، ثلاثة إنتخابات رئاسية، قد تحمل معها "مفاجآت" صادمة: الأولى اليوم، في الجزائر، حيث ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لولاية رابعة. والثانية في أيار المقبل، في مصر، حيث تقدم عبد الفتاح السيسي رسمياً مرشحاَ لهذه الانتخابات. والأخيرة في حزيران، في سوريا، حيث يسعى بشار الأسد إلى الرئاسة. و"المفاجآت" هي أولاً أنهم ترشحوا، وثانياً أنهم سيفوزون سلفاً وسيتولى كل منهم موقع الرئاسة في بلاده. 
 
بوتفليقة يحكم منذ ولايات أربع، وقبله حزبه "الجبهة الوطنية" وعسكره منذ عقود ثلاثة. هو الغائب عن النظر بسبب المرض، والخائض حملته الإنتخابية بواسطة رجالاته الأوفياء، والذي جمّد الجزائر في عهوده فحوّلها "قاعة انتظار مديد"... لا يجابهه سوى مرشحي الواجهة اللامعة: بن فليس، رجل السرايا، تجاوره ستة تشكيلات سياسية صغيرة من النوعية نفسها، "معارضة الداخل" الجزائرية، فقط لا غير. يمكنك ان تفسر ذلك، وكثيرون يفعلون، بأن الجزائر لم تشهد ثورة على غرار بعض أخواتها العربيات الأخريات، وبأن الوضع، مثلاً، في مصر، صاحبة الثورة المزلزلة منذ سنوات ثلاث، قد يكون مختلفاً. لكن الواقع لا يعكس الآمال: ففي مصر، السيسي أيضاً سيفوز في الانتخابات، قبل حصولها. أما من يقف في وجهه، مثل المرشح الناصري حمدين صباحي، فلن يكون بدوره، وفي أفضل الأحوال، سوى ديكور إضافي ديموقراطي، يوحي وكأن منافسة حقيقية تحصل. لكن بالتأكيد، السيسي هو الرئيس المقبل لمصر، لأن المنافس الحقيقي له، المنافس الجدّي، الإخواني، ما زال تحت وطأة صدمة إسقاطه بالقوة، وتشتيت مكوّناته وتوزعها بين تكفيريين وجهاديين. 
 
أما بشار الأسد، فلو حصلت الإنتخابات الرئاسية التي يحلم بتنظيمها بعد شهرين، فلن يكون له منافسون، جدّيين أو غير جدّيين. هو أعلن ترشحه ووضع له، صراحة، القيود التي تحوله مرشحاً منفرداً: نسبة موافقة، تقلّ عن النصف بعض الشيء، من "مجلس الشعب" الموالي له، هو شرط الترشح. ناهيك عن إطاحته معارضيه الأوفياء، وإستبعاد كل مرشح خارج سوريا، أي كل فرد يملك، على الأقل، الجرأة اللازمة لإعلان منافسته لبشار. لذلك يثق بشار، ونحن معه، بأن ترشحه لرئاسة سوريا سيكلَّل بنجاح أكيد. 
 
هكذا، وسط التنوع الجغرافي والإقليمي، تشترك دول عربية كبرى ثلاث في التنبوء سلفاً، ومن دون مواربة، بمن سيكون رابح إنتخاباتها الرئاسية المقبلة. وحدة المصير الإنتخابي هذه تترجَم في وحدة الذهنية السياسية التي أملتها، وسارت بها، وبنت من أجلها الحصون والمدافع. قد يكون بوتفليقة هو الرجل الوحيد، في مقابل الأسد والسيسي، الذي يجسد، بعمره، الإستمرارية الجسدية التامة لنظام قام بعد إستقلال الجزائر عن الإستعمار الفرنسي. هو لم يكن رئيساً وقتها، لكنه كان في جهاز النظام الذي حكم، والذي لم يطاوله أي تغيير، سوى بالوجوه والأساليب. منها مثلاً، ما أعلنه بوتفليقة بأنه مُصرّ أن يموت وهو رئيس، وليس مثل سلفه، الشاذلي بن شديد، الذي رحل بعد عشر سنوات على إستقالته، من دون أبَّهة. 
 
أما السيسي، الأصغر سناً، فهو مُصرّ على إعادة إحياء النظام الذي نشأ قبل عقود ستة، ونال المصريون بموجبه إستقلالهم التام عن بريطانيا. هو لا ينتمي جيلياً إلى رجالات الضباط الأحرار، لكنه روحيا، ذهنياً، يسعى إلى إمتلاك كل رأسمالهم الرمزي السياسي. أي انه يريد إدامة النظام نفسه الذي أنشىء على يد عبد الناصر... فيما بشار يُديمه بالوراثة. هو أصغر المرشحين من بين الثلاثة، لكنه وارث أبيه، أجهزةً ونهجاً وروحاً. أبوه بطل الإستقلال الدائم عن الإستعمار. هو أيضاً، على طريقة نظيرَيه، المصري والجزائري، لا يودّ غير التمديد لنظام نشأ قبل عقود ستة. 
 
وكأن الإنتخابات الرئاسية الثلاثة، بمرشحيها المنفردين، الناجحين حتماً، وظيفتها الوحيدة هي منح الشرعية الديموقراطية لمدمني سلطة عجوز هرمة، وبالقوة العسكرية أو المالية أو الأمنية أو المعنوية، محوِّلة تلك الممارسة الراقية المسمّة التصويت والانتخابات والاختيار ومقارنة البرامج والحوار حولها... الخ، إلى مسخرة، إلى رثاثة، إلى عيب حضاري.
 
ملاحظة: وحده لبنان لا يعرف من يكون رئيس جمهوريته المقبل. ذلك أن رؤساء طوائفه، مع ورثتهم، جالسون على عروشهم، منذ عقود، وأحياناً منذ ما قبل بوتفليقة.
 
increase حجم الخط decrease