الثلاثاء 2014/04/15

آخر تحديث: 23:46 (بيروت)

أسماء تُركت للحظة الأخيرة

الثلاثاء 2014/04/15
increase حجم الخط decrease
 يروي محمد حسنين هيكل أن شاه إيران المخلوع، عندما وصل إلى منفاه الأخير في مصر، كان أول ما قاله للرئيس السادات والدموع في عينيه: "لقد عرفت أنهم كانوا طوال الوقت يسمونني الخازوق". وكان محمد رضا بهلوي، بحسب رواية هيكل مصدوماً بأن تصل وقاحة حلفائه الأمريكان ليس إلى حد عدم استضافته فقط وإنما إلى الضنّ على عملية إجلائه باسم يليق بحليف وثيق مثله؛ ذلك ما اعتبره هيكل نفسه يوماً ما درساً لجميع الطغاة الذين يستقوون بالخارج على شعوبهم!

مناسبة هذا الحديث ليست مرور ثلاثة عقود ونصف على رحلة الشاه في التيه قبل وصوله إلى مثواه الأخير في مصر، وليست تحديداً الخلافات الصغيرة التي انكشفت أخيراً بين النظام السوري وحلفائه الخارجيين. على الأقل نحن لا نعلم الإسم الذي يطلقه قاسم سليماني على عملياته في سوريا، ولا نعلم إن كان ثمة خطط بديلة يحضّرها الرجل فيما لو رجحت الكفة لصالح قوات المعارضة، وتالياً ليست معروفة الأسماء الحركية لها، وربما يكون التكهن في خصوص الخطط البديلة نافلاً في وقت بدأ فيه الحلفاء إظهار خلافاتهم حول النصر مع ادّعاء كل طرف أحقيته به.

ولكن، ربما يكون النصر المزعوم على شاكلة الهزيمة امتحاناً للعلاقة بين الحلفاء، وعلى وجه الدقة اختباراً لصداقة الطرف الأقوى وكيفية تعاطيه مع الأضعف الذي يتوسل الحماية منه. هنا لا نستطيع تجاهل التصريحات المتكررة لكوادر حزب الله عن سقوط النظام لولا تدخل ميليشيات الحزب لمساندته، ولا بد أيضاً من استعادة التصريحات الإيرانية المتكررة التي تصب في الاتجاه ذاته، آخرها كان تصريح قائد سلاح الطيران في الحرس الثوري الذي نَسَب الانتصار في سوريا إلى إيران، والذي قد يُفهم كردّ مباشر على ما نُسب إلى المستشارة السياسية بثينة شعبان التي عزّ عليها تجاهل التضحيات التي قدمها نظامها ومؤيدوه من قبل الحلفاء.

الأخذ والرد والإنكار الذي تلا ما كُتب على صفحة باسم بثينة شعبان، كل ذلك يشي بخلافات موجودة حقاً، وهي لا تتعلق فحسب بالنصر الذي يكثر الحديث عنه هذه الأيام على الرغم من خسارة النظام لمواقع مهمة إثر نجاحه في اقتحام أخرى. إنها بالأحرى خلافات تتعلق أصلاً بتحمل المسؤوليات إزاء الفشل في تحقيق النصر النهائي حتى الآن. فجماعة النصر الإلهي يعزّ عليهم الاعتراف بفشلهم في القضاء التام على "التكفيريين"، وإذ يجدون أنفسهم مضطرين إلى تبرير طول أمد الحرب راحوا يسرّبون المعلومات عن ضعف وركاكة قوات النظام وميليشياته، وراحوا يسربون الوقائع عن معارك صغيرة خسروا فيها بسبب تخاذل قوات النظام وهروبها، أو بسبب فسادها وتواطئها مع قوات العدو. في الخلاصة، نظام مهلهل على هذه الشاكلة لم يكن ليستطيع الصمود لولاهم، هذا ما يقوله الحلفاء الذين بدورهم لا يجدون أسباباً واقعية للنصر الموعود، باستثناء تعويلهم المضمر على الخارج الذي يؤكد باستمرار أنه لن يدعم الثوار بأسلحة تقلب الموازين على الأرض.

من جهته، تلقى النظام إهانات متكررة من حلفائه لا تقل عن تلك التي تُوجه إليه يومياً من خصومه على الأرض. فأن يُضطر مثلاً للتفاوض أكثر من مرة على إطلاق سراح رهائن إيرانيين لدى قوات المعارضة، بينما لا يستطيع فتح باب المفاوضات لاسترجاع الرهائن من مؤيديه المحليين لئلا يفتح باباً واسعاً يؤدي إلى فقدانه ورقة الاعتقال؛ هذا وحده كفيل ببيان الفارق النوعي بين الحليف والمؤيد، بالطبع على حساب الأخير الذي لا قيمة له. لكن الأمر لا يتوقف عند التفاصيل العملياتية، فالحلفاء دأبوا منذ مدة طويلة على إطلاق التصريحات السياسية بالأصالة عن النظام، ولم يعد مستهجناً، أو حتى مستغرباً، انتظار ما سيقوله المسؤولون في الضاحية الجنوبية أو في طهران أو موسكو لمعرفة المواقف التي تُملى على النظام ويُضطر إلى تبنيها. 

لا يخلو من طرافة أن النظام، الذي يتهم معارضيه بالارتهان إلى القوى الأجنبية أو العمالة لها، لم يترك له حلفاؤه في العديد من المناسبات المفصلية ورقة توت يتبجح بها باسم "القرار الوطني المستقل"، ولم يُترك له في بعض الأحيان "شرف" الإعلان عن بدء معارك لها حساسية خاصة، بل نال "شرف" التمهيد لها منشد لبناني، ونال "شرف" الاحتفال بحسمها شباب الضاحية، بينما قد لا يجد من تبقى من شباب المؤيدين فرصة بين معركتين لترف تناول البقلاوة. أما ما يعجز النظام عن قوله إزاء امتهان الحلفاء لكرامته فهو أن أي انتصار لن يكون له، بينما ستكون الهزيمة الكبرى من نصيبه أولاً؛ هذا بالضبط فحوى تصريحات الحلفاء.

مع ذلك، لا مقارنة مغرية بين أمثولة هيكل في مستهل هذا النص والحلف العقائدي المتين الذي يجمع النظام وحلفاءه الإقليميين، ربما كان ينبغي استعادتها في ذكرى القبض على القذافي للقول بأن الأمريكان لطفاء بالقياس إلى شعوب المنطقة، فـ"وقاحتهم" تتوقف عند إطلاق التسميات فحسب!   
 
increase حجم الخط decrease