الأربعاء 2014/04/16

آخر تحديث: 04:57 (بيروت)

"سِلفي" قوى الأمن: صوركم مع إختراع الحزام

الأربعاء 2014/04/16
"سِلفي" قوى الأمن: صوركم مع إختراع الحزام
increase حجم الخط decrease
في حين ينشغل الأطباء النفسيون في الولايات المتحدة  بدراسة حيثيات وأبعاد ظاهرة صور "Selfie" المنتشرة عالمياً، والتي تبيّن مؤخراً أنها تدل على نوع من أنواع "الاضطراب"، تسعى مديرية قوى الأمن الداخلي في لبنان إلى اعتمادها كمدخل للترويج لحملتها الجديدة حول السلامة المرورية.  إذ اختارت المديرية الانضمام إلى ظاهرة "سِلفي"، كخطوة تهدف إلى التواصل مع المواطنين بأسلوب جديد ومختلف، يظهر وكأنه  يخاطب الذهنية اللبنانية العامة المتماشية مع "الرائج"، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي. 

وخلافاً لحملاتها السابقة، أطلقت مديرية قوى الأمن الداخلي، حملة بعنوان #Selfiers، تهدف إلى توعية اللبنانيين حول شروط السلامة المرورية، والتي تتطلب التزامهم بوضع حزام الأمان كخطوة أولى من ضمن إجراءات السلامة خلال القيادة. وانطلاقاً من فكرة "سِلفي"، تتوجّه الحملة إلى اللبنانيين ليقوموا بتصوير أنفسهم في سياراتهم وهم يضعون حزام الأمان، ولينشروا تلك الصور، مرفقة بهاشتاغ #Selfiers، في صفحاتهم في "فايسبوك" و"تويتر". 
 
قد تبدو فكرة الحملة وأهدافها جديرة بالاهتمام، غير أنّ اختيارها لأسلوب الـ Selfie لا يشكّل عاملاً متيناً لضمان نجاحها، بل إنّ وضعها في السياق الترويجي المعتمد على "السائد"، يجعلها محاطة بتساؤلات وإشكاليات عديدة. فالحملة تعكس فكراً ترويجياً وتسويقياً "سريعاً" وإن كانت الأهداف مشروعة، بل مطلوبة. لكن للمفارقة، فإن الحملة لا تحمل أي رسالة، وليس في طياتها أي فكرة مثيرة للجدل، كما أنها لا تدفع المواطن إلى شعور بالخطر في حال عدم استخدام حزام الأمان.. على الأقل. وهنا يمكن بسهولة مقارنة هذه الحملة بمضامين حملات التوعية لجمعيات مختلفة مثل "كن هادي" و"اليازا" وغيرها.. التي، وفي أضعف الأحوال، دفعت المواطن إلى التوقف عندها ولو لثوانٍ.

وربما يحتاج تغيير السلوك العام لدى اللبناني إلى أكثر من حملة إعلانية على هذا القدر من التبسيط يعتمد على الصورة من دون أي شعار توعوي هادف، ومن دون استراتيجيا إعلامية بناءة، إن أمكن القول. وبهذا تبدو هذه الحملة سطحية (قليلة التأثير؟) مقارنة بحملات توعوية سابقة، سجلت نجاحاً وانتشاراً لافتين، على الأقل لجهة إيصال الرسالة التوعوية، من دون أن يعني ذلك أنها كانت مؤثرة فعلاً في السلوك العام، والذي يحتاج أيضاً إلى الحزم في تطبيق القانون. إلا أن حملات مثل "دركي لكل سيارة" و"شايف حالك"، استطاعت أن تصوّر وتوثق المخالفات اليومية الصغيرة والكبيرة، وربما أخجلت بعض اللبنانيين الخارجين على قانون المرور إذ ضبطتهم بالجرم المشهود.

أما حملة الهاشتاغ (#ٍSelfiers)، فبسّطت مشكلة عدم استخدام حزام الأمان، وفصلته عن المشكلة الأعم المتعلقة بالنظام والقانون والسير في لبنان. ففي هذه الحملة الأخيرة، رأينا السلطة، التي من المفترض أن تطبّق القانون وتعاقب على اختراقه، تتحول نوعاً ما، إلى "جمعية" توعّي فقط، وكأنها تعلن استسلامها أمام اللبنانيين الذين يضعون أنفسهم فوق القانون (وغالباً ما ينجحون)، والذين يحجّمون دور قوى الأمن في حال فرضت عليهم مخالفة، وذلك باتصال هاتفي واحد.
 
كما أنّ واقع تكاثف حملات التوعية حول السلامة المرورية وغيرها من الأمور، يطرح سؤلاً جدياً حول ما غيّرته هذه الحملات في الذهنية اللبنانية تجاه التزامها بالأخلاقيات العامة والقوانين. فالمشهد يعكس أن السلوك العام في التعامل مع القوانين والإرشادات العامة، لم يترجم على شكل "ظاهرة" إلا في مواقع التواصل الاجتماعي. وحتى حملة "شو وقفت عليّي؟"، التي أطلقت العام الماضي، وأصبحت الأشهر، ربما لم يبق منها إلا شعارها الرنان. وبات اللبناني يستخدمه بالمنحى السلبي/الفكاهي، بدلاً من الإيجابي. بمعنى أنه استمر في مخالفة قانون السير مكللاً مخالفته بكلمات ثلاث: شو وقفت عليّي؟!

وللمفارقة، حتى الشعارات الرنانة للحملات السابقة، لم نجدها في حملة قوى الأمن الأخيرة، والتي تسعى إلى تصوير الدولة أو السلطة كصاحبة "لغة" معاصرة وشبابية. في حين أن كل ما رأيناه، وسنراه، هو الآلاف من الصور المتدفقة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والتي تفسح للبناني فرصة جديدة لممارسة حب الظهور. والأهم من ذلك، هو أن تلك الصور تلتقط مع حزام الأمان، والمفترض أن استخدامه بديهي، إلا أن الدولة تصوره كاختراع، يستحق أن نلتقط معه صورة.. تذكارية.
 
selfier5-(2).jpg
 
 
increase حجم الخط decrease