الخميس 2014/04/17

آخر تحديث: 06:52 (بيروت)

'يوميات سوري عالحاجز': سخرية الجحيم

الخميس 2014/04/17
'يوميات سوري عالحاجز': سخرية الجحيم
increase حجم الخط decrease
ترصد، عند الحواجز النظامية المنتشرة في عموم مدن سوريا، مصائر الناس وحيواتهم. هناك، أمام العسكري المتجهم الذي يستطلع هوية ضحاياه، يختلط الخوف مع الشجاعة لتمرير الموقف من دون عواقب تذكر. الجميع مدانون ومتهمون طالما أن حظهم العاثر جعلهم مجرد مارة يسعون للانتقال من منطقة إلى أخرى. المرور بات تهمة في سوريا، قد تؤدي أحياناً إلى الموت. عند بعض الحواجز، استحدثت غرف تعذيب تتفنن في تحويل الضحية إلى جثة. لا يحتاج الأمر سوى إلى خطأ صغير أو تشابه أسماء أو انتماء إلى منطقة ثائرة، كي يكتسب العابر العادي صفة "إرهابي" . بهذا المعنى يحمل الحاجز بُعداً ابتلاعياً، إذ يختفي عنده البشر. يتحولون إلى ماض أو خبر أو حتى رواية يجري تداولها والعبث بمجرياتها. وظيفته المعلنة، بالفصل بين المناطق، تصبح مجرد واجهة لوظائف أخرى، أبرزها امتحان الناس وترهيب ذواتهم.
 
 مواجهة هذا الجحيم ليست مهمة سهلة بالنسبة إلى السوريين المضطرين للمرور يومياً على حواجز النظام . قصصهم التي تشي بأحوال الرعب والرهبة، يمكن تحويرها وقلب تأثيراتها الشعورية لتبدو أقرب إلى السخرية. بعض المواقف المضحكة التي تعترض عابري الحواجز في تعاطيهم مع عسكري النظام، تفيد في هذا السياق. إحالة الرعب إلى سخرية عمل دفاعي، غايته الأساسية تقديم الملهاة على المأساة.
 
صفحة "يوميات السوري عالحاجز" في "فايسبوك" تختبر مجال التقديم هذا. إذ يستقبل مؤسسو الصفحة مشاركات الناس التي تكشف مواقف وسلوكيات واجهتهم عند حواجز النظام، شرور البلية التي تمسي مضحكة. يطلب العسكري من شاب عشريني أن ينزل من الحافلة بعد أن يطلع على بطاقته الشخصية. حالة الرعب التي تصيب الشاب تخبو سريعاً حين يطلب العسكري من فتاة كانت تستقل الحافلة أيضاً أن تجلس مكان الشاب الذي يتعرض بدوره لتأنيب من العسكري لأنه يجلس في مكان مريح فيما الفتاة تجلس خلف السائق.
ويسأل عسكري شاباً فلسطينياً عند حاجز في دمشق: إلى أين انت ذاهب؟ فيجيبه: نحو المزة. وحين يطلب بطاقته الشخصية، يكتشف العسكري أن أصول الشاب تعود إلى مدينة يافا،  فيسأله من جديد: أنت قادم من هناك الآن؟
أما الطالب الجامعي، الذي يجري توقيفه عند حاجز مدينة المعضمية، فيسأله الضابط: ماذا تدرس؟ فيجيبه: أدب عربي. فيرمقه الضابط بنظرة مريبة، ثم لا يلبث أن يصفعه بقوة، ويقول له: "الله يوفقك". 
 
لم يمض على تأسيس الصفحة سوى أيام قليلة، لكنها جذبت عدداً كبيراً من المشاركين، بلغ أكثر من 26 ألف معجب. ويقول مؤسسها لـ"المدن"، إن "السوريين متعطشون لتسجيل ما يحصل معهم حين يعبرون حواجز النظام". وفي حين يحرص المؤسس الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، على ترك المشاركات بلهجتها العامية، فإن الصفحة لا تتيح النشر العام. إذ ينتقي المشرف، وهو المؤسس نفسه، أفضل المشاركات التي تصله يومياً ويقوم هو بنشرها، وذلك "كي لا تنزلق الصفحة إلى الشتائم والكلام النابي، ومن أجل الحفاظ على مستوى معين من المشاركات"، كما يقول. 
 
وحول هدفه من إنشاء صفحة "يوميات سوري عالحاجز"، يقول: "الغاية الأبرز هي تخفيف المأساة التي تواجه المواطنين بشكل يومي عند حواجز النظام، وجعلها محتملة نوعاً ما، عبر عرض المواقف التي تحصل"، ويضيف: "بعد انتهاء الحرب ستتحول هذه الصفحة إلى أرشيف أو ذاكرة مدونة يمكن الاستدلال بها لمعرفة حقيقة ما كان يجري، عبر حكايات الناس البسطاء المنتظرين عند الحواجز".
 
ومهما كانت الغايات التي يضمرها مؤسس هذه الصفحة، فإن الأخيرة تتبدى وسيلة لعلاج جماعي يفتقده السوريون نتيجة الأوضاع التي يمرون بها. فالحاجز الذي يمثل تهديداً دائماً للعابرين، يمكن تحويله إلى مسرح لعرض مواقف تبدو في ظاهرها مضحكة، لكن باطنها ينطوي على تحايل ضد الجحيم المنتشر في شوارع سوريا... ومنها ما هو على هيئة حواجز.
increase حجم الخط decrease