الإثنين 2014/03/31

آخر تحديث: 01:02 (بيروت)

الإعلام البديل ملاذ تركي

الإثنين 2014/03/31
الإعلام البديل ملاذ تركي
رسم كارلوس لطوف
increase حجم الخط decrease
تدخل تركيا اليوم الانتخابات المحلية المنتظرة، وسط تحديات سياسية مختلفة أمام حزب العدالة والتنمية ووسط اتهامات بالفساد والقمع والتعتيم من قبل رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، بعد إغلاقه موقعي التواصل الإجتماعي "تويتر" و"يوتيوب" إثر نشر تسريبات لاجتماعات أمنية حساسة، وأخرى تتهمه وحزبه بالفساد.
 
من هنا يمكن القول إن مشهدين متناقضين طبعا الساحات العامة والافتراضية في تركيا خلال شهر آذار. الأول، مهرجانات لحزب "العدالة والتنمية" تخللها تجمهر لمئات الآلاف من مناصريه، وصوت رئيسه، رجب طيب أردوغان، خطيباً لـ56 مرة بين 20 شباط و28 آذار. أما المشهد الثاني، فقمع غير مسبوق للناشطين الأتراك في ساحات العالم الافتراضي. 
 
تختلف توجهات الجمهورين السياسية بطبيعة الحال، لكن أيادي الجميع بقيت تعمل كلٌ لقضيتها. يرفع مناصرو أردوغان قبضاتهم دعاءً لله وتأييداً "للحاكم"، وبالرغم من إغلاق مواقع تواصل إجتماعي، إلا أن كثيرين يرون في إصلاحات أردوغان إيجابيات تطغى على سلبيات التعتيم الإعلامي.
 
لكن هذا لا يمنع أن معارضي حزب "العدالة والتنمية" لا يغفرون له سيطرته على الكثير من وسائل الإعلام، وإعطاء صورة متخلفة عن البلاد بممارسات غير ديموقراطية وبوضع ملف الحريات العامة بيد القضاء. لهذا كله تنقر أصابع الناشطين تغريدات الحرية رغم القمع المنظم لهم. وتتجه الآراء الحرة للتعبير عن نفسها في شبكات الإعلام البديل، المتنفس الوحيد والآمن.
 
بين العام 2002 واليوم، استطاع أردوغان، ترغيباً أو ترهيباً، السيطرة على معظم الإعلام الخاص والتقليدي في تركيا. فطغى من حينها الخطاب التبريري والتسويقي للحزب الحاكم في معظم وسائل الإعلام. ما أدى الى ضيق مساحة الحريات في تركيا، وجعل من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والمدونات المنشأة بمبادرات فردية، آخر حيزٍ حرٍ لإعلام بديل عن الإعلام "الرسمي" الموجه.
 
في عالم التواصل الاجتماعي، وبعدما أسرّ لهم مؤسس موقع "تويتر" جاك دورسي بأساليب بديلة "للتغريد"، تمكن الأتراك من خرق الحظر الحكومي بسهولة. ففتحوا "القفص" التركي الرسمي و"حلقوا" بآرائهم في العالم الافتراضي، حتى وصلت تغريداتهم إلى ضعف المعتاد خلال الحظر. وذلك بعدما أخذت قضية الحريات التركية بعداً "عالمياً" استدعى تدخل المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التي إعتبرت على لسان المتحدث باسمها، روبرت كولفيل، "إن حظر مواقع التواصل ينافي التزامات أنقرة في مواضيع حقوق الإنسان".
 
أما المواقع الإلكترونية المستقلة فتتزايد ثقة الأتراك بها بشكل مضطرد، وذلك بعدما قدمت نفسها كمصحح ومحقق للمعلومات المغلوطة التي تبثها أجهزة الدولة الإعلامية. ويعود ازدهار هذا النوع من الصحافة البديلة إلى تجربة الناشطين الأتراك خلال مظاهرات منتزه "جيزي" العام الماضي، حين تُركوا في شوارع المدن بوجه قنابل الشرطة المسيلة للدموع، من دون تأثير حقيقي للإعلام التقليدي في تقديم قضيتهم للجمهور غير المعارض تقليدياً للحكومة. 
 
من هذه التجارب، موقع 140journos الذي أسسه إنغن أوندر. والقائم على جهد شبكة تواصل من 300 ناشطٍ ميداني موزعين في تركيا للتحقق من الأحداث والصور والفيديوهات ومن ثم بثها في مواقع التواصل، كما فضح التعميم والمخالفات التي يرتكبها الإعلام التقليدي الموجه في تركيا. لا يصف أوندر نفسه بالصحافي، ويرفض هذه التسمية، لكنه بالمقابل يؤكد أنه يسعى "إلى خلق لغة تواصل جديدة قائمة على الحقيقة والمعلومة الصحيحة لتعزيز الحريات".
 
تتحول هذه التجربة إلى نموذجٍ قابل للتطبيق بمبادرات مشابهة، ما يجعل أوندر هدفاً مشتهى للسلطة التركية لتضيف مواقعه إلى حوالي 15600 موقعٍ آخر حُظرت خلال عشر سنوات. لكن الناشط الإعلامي وسع عمله عبر خلق تطبيق على الهواتف المحمولة يعطي المعلومات السريعة للأحداث بعد التأكد منها من قبل الناشطين المنتشرين في كل تركيا. كما يسمح التطبيق للمتظاهرين والفاعلين أنفسهم بالمشاركة بالصور والفيديوهات للأحداث التي تجري في مدنهم، عبر تحويل كل مواطن إلى "صحافي" في مكان نضاله.
 
أما المدونات فهي لا تزال مكاناً محبباً للأتراك لاستقصاء التحليلات والآراء المختلفة في القضايا التي تغيب عادةً عن الإعلام التقليدي. واللافت أن عدداً لا بأس به منها يتم تدوينه من خارج تركيا وخاصة من الولايات المتحدة. فمدونة "جمهورية أتاتورك" تقدم تحليلاً ونقداً مهنياً لاذعاً للأحداث التركية. كذلك تفعل مدونة "العثمانيين والصهاينة" عبر تقديمها مقالات تحليلية للوضع التركي والإسرائيلي بشكل منفرد كما محاولة المقارنة بينهما. أما مدونة "السياسة التركية خلال الحدث" فتبقى من أبرز المدونات السياسية الناطقة باللغة الإنكليزية، وهي التي قدمت من العام 2008 إلى اليوم حوالى ألف مقالٍ عن الأحداث التركية.
 
مقارنة عما كان عليه قبل عشر سنوات، ومستفيداً من فقدان الإعلام التقليدي لمصداقيته، قام الإعلام البديل في تركيا بنقلة نوعية عبر زيادة نسبة الواثقين فيه بشكل كبير. لكنه وبالرغم من كل نشاطه، يتحول هذا العالم الإفتراضي إلى ساحةً حصرية لمعارضي حزب "العدالة والتنمية" وسط عدم القدرة على إجتذاب الموالين تقليدياً لهذا الأخير. في حين تبقى الساحات العملية لمناصري الحزب نفسه الذين يرون إن طاعة "الحاكم" في عالم السياسة أولى من تغريدات المراهقين في العالم الإفتراضي، ما إستدعى الأديب التركي الحائز على جائزة نوبل أورهان باموك إلى وصف حال الحرية في بلاده "من سيئة الى أسوأ".  
 
increase حجم الخط decrease