الخميس 2014/04/24

آخر تحديث: 07:21 (بيروت)

السيسي في الإعلان الانتخابي الأول: يكفي أنه 'القائد'

الخميس 2014/04/24
السيسي في الإعلان الانتخابي الأول: يكفي أنه 'القائد'
الحلاق: مصر تحتاجه
increase حجم الخط decrease
أما وقد ظهر  أول فيديو إعلاني انتخابي للمشير عبد الفتاح السيسي، والذي انفرد به موقع "المصري اليوم".. لا بد من السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يخرج هذا الفيديو عبر قنوات حملته الرسمية، لا سيما حسابها في "يوتيوب" أو حتى في الموقع الرسمي للحملة والخالي من أي شيء إلا صورة "القائد"؟ غموض جديد يلف طريقة إدارة السيسي للعملية الانتخابية، متجاهلاً، وحملته، سبك الدور الديموقراطي، مع الاكتفاء بتكريس واجهة "الزعامة" لرجل طفا على سطح الأحداث السياسية، وصار بطلها الأوحد في غضون شهور.
 
الفيديو الذي لا يحمل اسم مخرج أو معد أو كاتب سيناريو، يشابه في شكله وتفاصيله الفيديوهات الدعائية الرخيصة التي كانت تقدمها وزارتا السياحة والثقافة المصرية للترويج. بدأ الفيديو الدعائي بمشاهد متفرقة "معتادة" لكوبري قصر النيل ومصر القديمة الأثرية، عربة فول ومقهى شعبي، وفي الخلفية أغنية "سيادة المواطن" للمطرب الإماراتي حسين الجسمي (لماذا الجسمي بدلاً من مطربة أو مطرب من مصر؟ الله أعلم!). وتتوالى اللقطات حتى يظهر شبان ثلاثة يمشون بمحاذاة حائط الغرافيتي الشهير في شارع محمد محمود، الملحمي، قائلين: "إحنا نزلنا الثورة علشان نقضي على الفساد ونحافظ على مؤسسات البلد".
 
تتوالى المشاهد واللقطات الكليشيه. يظهر حلاق يتحدث عن الزعامة وعبد الناصر وحاجة مصر إلى زعيم. ولا يلبث الفيديو أن ينتقل بنا من محافظة إلى أخرى. فها هو صياد اسكندراني يتحدث عن حاجة مصر إلى السيسي، ومن الإسكندرية إلى أسوان، ورجل بزيّ صعيدي يتحدث عن أسوان وحاجتها.. إلى السيسي طبعاً.
 
لا تتوقف مهازل الفيديو عن تكرار الشيء الوحيد الذي تستطيع الحملة أن تروجه، وهو اسم "القائد"، لا برنامجه ولا طموحاته للفترة المقبلة. تتجه عين الكاميرا إلى مدرسة صباه، لتلتقي برفيق دراسته (على أحد مقاعد التلامذة) متحدثاً عن صفات السيسي الألمعية، منذ أيامه الدراسية الأولى، وكيف أن "مصر أم الدنيا وهاتبقى قد الدنيا" عبارة على لسانه منذ صباه. وتطرق زميله، وهو "لواء متقاعد" كما يعرف به الفيديو، إلى الوصايا الدينية التي منحه إياها سيادة المشير، وكيف أوصاه بأن يواظب على الذِّكر، وكتب وصاياه كالأنبياء على ورقة ما زال رفيقه يحتفظ بها. الغريب أن ورقة الأذكار تبدو جديدة كأنها كتبت تواً، لكن.. لا يهم، طالما أن حشو الزعيم بصفات الورع والحفاظ على الذِّكر والأوراد حاضر في الفيديو.

sisi4-(1).jpg
  "أذكار" السيسي

تنتقل الكاميرا إلى محل أرابيسك فولكلوري. ويتحدث أحد رفقاء أبيه عن الصبر الذي اكتسبه "عبد الفتاح" من هذه المهنة. أبناء الجمالية يفخرون كذلك بخروج زعيمين من منطقتهم، وهما عبد الناصر والسيسي. ولا ينتهي الفيديو قبل أن يخرج أحد المخلصين في نفاقهم، ليصرخ بنا عبر الكاميرا: "إذا نطق الحجر سيقول اختاروا صح".. وهو بالطبع لا يقصد سوى القائد الزعيم الورع، ابن الجمالية، المشير عبد الفتاح السيسي. والوجوه المعتادة برمزيتها الفجة: المسيحي والمرأة والمثقف والبسيط.
 
ثماني دقائق من الدعاية، لا تظهر فيها صورة السيسي ولا مرة واحدة، والأغنية في الخلفية تعلو وتخفت مع أصوات ضيوف الفيديو، والتكريس لصورة خليفة عبد الناصر، ذي البُعد الإيماني العميق.. مهازل تتوالى الواحدة تلو الأخرى. 

sisi3-(2).jpg
 الحاج: هو وعبد الناصر أولاد حارتنا

لم ينخدع جمهور "يوتيوب" وشبكات التواصل بهذه الركاكة. فكتب أحدهم معلّقاً: "السيسي بيكتب لصحابه أوراد يكرروها 99 ألف مرة.. سيبك انت.. الإخوان كانوا بيضحكوا على الناس". فيما كتب آخر محللاً ومتسائلا: "ويا ترى أول إعلان انتخابى ده مش المفروض اللى تصدره الحملة الرسمية؟ واللا المصرى اليوم واللا أياً كان تطوع مشكوراً لتصوير الإعلان ونشره كمان؟! .. ده مش اعلان انتخابى ده تقرير رصد حالة ليس أكثر، اكيد الإعلان الرسمى لحملة المشير السيسى اللى هيتذاع فى الفضائيات هيكون اكثر تكثيفاً وإبداعاً".

وكتب ساخر آخر: "والسيسى حامينا وحامى حدودنا؟ ازاى !وايه علاقة ان أبوه شغال فى الارابيسك بأنه حكيم وقراراته حكيمه.. انا هاقرا الفاتحه وآية الكرسى 999 ألف مرة، يكون السيسى قرر - قرار حكيم - انه يطلع يقول برنامجه الرئاسي.. فعلاً، الحجارة لو نطقت هتقول حرام".
 
والحال، أن هذا الفيديو هو إرهاصة لمجموعة كاملة، بالرداءة ذاتها، والطابع السلطوي نفسه. موسم الانتخابات في مصر صار بحق موسم الدعايات الرخيصة. لا جديد ولا إبداع. الفكر "الدولتي" ذاته، بسلطويته وصورته الجاهزة القديمة، يقدم نفسه في زي عسكري، لا يفهم حقيقة ما حدث في البلاد.

الاتكاء على "الشعبية" الجارفة للسيسي، ولا شيء سواها. لا حديث عن برنامج، ولا لقاءات جماهيرية. لأربع سنوات مقبلة، وربما ثماني سنوات، لن تحظى مصر برئيس، بل بزعيم وقائد، فتكون قد عادت من لحظة تاريخية عمرها 1400 سنة على أيدي الإخوان، إلى لحظة عمرها 40 سنة. وسيظل المستقبل أسير عبيد الماضي، بينما الشباب يسخرون عبر الإنترنت.
 
increase حجم الخط decrease