الإثنين 2014/04/14

آخر تحديث: 02:53 (بيروت)

تجارة اللحوم بين الفساد والتهرّب الضريبي

الإثنين 2014/04/14
تجارة اللحوم بين الفساد والتهرّب الضريبي
مستودعات اللحوم الفاسدة، نتيجة حتمية لإنتشار الفساد السياسي (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
"لبنان أغلى دولة في العالم". عبارة تتناقلها الألسن في الجهات اللبنانية الأربع، وهي تعبير عن إرتفاع الأسعار بمعدلات عالية، تثقل الكاهل. وبطبيعة الحال فإن هناك تفاوتاً في معدلات الأسعار، يجعل من العبارة أعلاه موضع شك من الناحية الإحصائية، لكنّها تتحوّل الى عبارة صحيحة ودقيقة في معايير التعبير عن صعوبة الأوضاع المعيشية في لبنان، والتي تزيد عمليات غش وتزوير المواد الغذائية، وعمليات الفساد في الإدارات الرسمية، من صعوبتها وتعقيدها.
تُثار على مدار فترات متقطّعة، قضية إرتفاع أسعار اللحوم والدواجن والأسماك ومشتقاتها، وترتبط بها عمليات إكتشاف مخازن لحوم فاسدة هنا وهناك، وتتخذ الجهات المعنية تدابيرها، وبعد مدّة تعود الأمور الى مجاريها، وتعود الأسعار الى ممارسة لعبتها التي باتت كالبورصة. أما السبب، فيراه البعض أشبه بلعبة يديرها التجار ليحافظوا على أرباحهم وعلى سيطرتهم على السوق، ويساعد في الأمر عمليات غض النظر، والتهرب من دفع الجمارك، ومنهم من يعيد السبب الى صعوبات الإستيراد والتصدير، خصوصاً مع إشتعال الأزمة السورية وإشتداد الخطر على الشاحنات والبرادات الناقلة للحمولة عبر سوريا ذهاباً وإياباً، ما يرفع كلفة النقل، التي تضاف الى سعر السلع في السوق.
وإذا كانت الأزمة السورية حدثاً طارئاً ومنطقياً لزيادة الأسعار، إلاّ ان الفساد هو سبب دائم، وغير طارئ، فبرغم التهرب الضريبي، لا تزال أسعار اللحوم تصنّف "الأعلى في العالم العربي وبعض دول العالم، حيث يبلغ سعر الفروج النيء، على سبيل المثال، في لبنان، حوالي 5 دولارات، في حين أن سعره في السعودية حولي 2.5 دولار"، وفق ما يفيد "المدن" رئيس جمعية تجار وبائعي اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك المبردة والمجلدة سميح المصري. ويرى المصري أن تجاراً يستفيدون من تهربهم من دفع الجمارك، عبر بيع منتجاتهم المستوردة بسعر المنتجات المشمولة بالضرائب، وينجح هؤلاء التجار "بإستيراد اللحوم من البرازيل، مثلاً، وتمريرها بأراضي إحدى الدول العربية، ثم إرسالها الى لبنان، وبذلك يستفيدون من إتفاقية التيسير العربية التي تعفي بعض المنتجات الآتية من الدول العربية من الجمارك، فيما البعض الآخر من التجار يستوردون اللحوم من البلد نفسه مباشرة الى لبنان ويدفعون الجمارك". ويطالب المصري "إما بتطبيق القانون وإلتزام الجميع بدفع الضرائب، وإما بتحرير الضرائب، ويصبح سعر الفروج متدنياً كسعر الفلافل"، مشيراً إلى أن لديه "الكثير من المعلومات والمعطيات حول هذا الملف، لكنه سيكشف عنها في مؤتمر صحافي يحدد موعده في الأيام القليلة المقبلة". وكان المصري قد أصدر تصريحاً طالب فيه "بتنظيم استيراد اللحوم المبردة من الخارج وفق المعايير المعتمدة في مختلف الدول العربية، ومن أجل السلامة العامة"، ودعا الى "حالة طوارىء اقتصادية من شأنها معالجة التحديات التي تعاني منها المؤسسات الخاصة المتصلة بحاجات المواطن".
في السياق نفسه، يرى رئيس نقابة مصدري ومستوردي اللحوم والأسماك والخضار المجلدة والمبردة محمد مبسوط، لـ"المدن" ان من أبرز الصعوبات التي يواجهها هذا القطاع مع الجمارك اللبنانية، هي عملية فحص المستوعبات التي يتم شحن البضائع فيها، إذ "تأخذ هذه العملية أياماً عدّة، الأمر الذي يعرّض بعض اللحوم للتلف، الى جانب ترتيب أكلاف إضافية على التجار جرّاء دفع أجرة حوالي 500 دولار لقاء إبقاء المستوعبات على أرضية الحوض في المرفأ لأربعة أو خمسة أيام"، والحل يبدأ بـ"إستعمال تقنيات حديثة في مراقبة المستوعبات"، ويضيف المصري الى قائمة الصعوبات، "إلزام المستوردين بوضع تاريخ إنتهاء الصلاحية قبل فترة طويلة من تاريخها الأساسي، ما يعني أن على التاجر تلف هذه البضائع قبل وقت أطول من الوقت الحقيقي لإنتهاء صلاحيتها، ما يرتب عليه خسارة أكبر".
أمام صعوبات الإستيراد والتصدير من البر، وقضايا الفساد التي لا تنتهي، يبقى المستهلك هو الحلقة الأضعف، حيث عليه تحمل إرتفاع الأسعار والصعوبات الإقتصادية، وتحمّل الطامة الأكبر، وهي إستهداف حياته من خلال إنتشار الأغذية الفاسدة، والتي تشكل اللحوم قطعة كبيرة من سلسلة الفساد تلك، وتمتد السلسلة في ظل غياب رقابة حقيقية، وإصرار المسؤولين الرسميين على عدم إقرار قانون سلامة الغذاء خوفاً على صلاحياتهم ومصالحهم.
 
 
increase حجم الخط decrease