الأربعاء 2014/04/23

آخر تحديث: 02:42 (بيروت)

صحة المواطنين في خطر: الأرباح أوّلاً!

الأربعاء 2014/04/23
صحة المواطنين في خطر: الأرباح أوّلاً!
المستشفيات تتنازع مع مستوردي المعدات الطبية على الحسومات (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يواصل مفهوم الجشع انتشاره وتوسعها المتوحش يوماً بعد يوم، حتى خرق كل القطاعات دون استثناء. دخول هذا المفهوم الى قطاع الصحة في لبنان ليس جديداً، غير أن المساومات العلنية على صحة الأفراد يتخطى المحاذير الانسانية والأخلاقية كافة. هذا الواقع يجد ترجمته العملية في التصاريح والبيانات المتقابلة بين كل من نقابة تجار ومستوردي المعدات الطبية من جهة ونقابة أصحاب المستشفيات من جهة أخرى. "تحقيق أرباح إضافية"، هي التهمة المشتركة بين الطرفين اللذين يغضان النظر، على ما يبدو، عن قدسية صحة الانسان وحياته ويستفيضون في الدفاع عن حقهم بالأرباح. الأمر الذي طفا إلى العلن اليوم الأربعاء بعد بيان رسمي لنقابة تجار ومستوردي المعدّات الطبية. 
ملخّص الإشكال بين الطرفين يرتبط بعدم تسليم المعدات الطبية للمستشفيات على اثر صدور المذكرة الرقم 507 الصادرة بتاريخ 21/03/2014 عن الضمان الاجتماعي والتي تنطوي على خفض أسعار المستلزمات الطبية بنسبة 25%. وفي هذا الاطار أصدرت نقابة نقابة تجار ومستوردي المعدات الطبية في لبنان بياناً أكدت فيه أن "الشركات المنضوية تحت سقف النقابة أبلغت كل المستشفيات استعدادها الالتزام بأسعار المذكرة دون أي تحفظ". وجاء هذا التأكيد بعد استفاضة في الكلام عن عدم الزامية المذكرة بالنسبة لهذه الشركات التي تعتبر نفسها "غير معنية بهذا الاتفاق، ذلك أن الضمان الإجتماعي لم يبلغ المذكرة لا لنقابتنا ولا لأي من الشركات العاملة في القطاع". البيان الذي يفيض بلغة الأرباح والخسائر المتوقعة، يشير الى أن أسعار المعدات ستنخفض بين 25 و60%، ما سيجعل أسعار المعدات وفقاً للائحة الجديدة، "أدنى بكثير من الأسعار المعتمدة لنفس الأصناف في بلد المنشأ". 
ولم تنسَ النقابة أن تلحظ أنها لم ترفض المذكرة برغم كل ما تقدم، ومن عناصر ضاغطة أخرى تتمثل بمهلة السداد للموردين التي لا تتخطى الـ90 يوماً علاوة على غرامات التأخير. وهكذا، تكون قد تناست أنها كشركات مورّدة لمعدات طبية جزء من المنظومة المسؤولة عن إستمرارية المرفق الصحي العام، الأمر الذي يجعلها على مرتبة من المسؤولية تجاه المجتمع بكامله أسوةً بأجهزة الدولة نفسها.
وبعد العرض المالي شبه المفصل، الذي يظهر الشركات التجارية بمظهر متحمل الخسائر بملء إرادتها بهدف تحقيق المنفعة العام، يكمل البيان بنفي ما يتم تناقله حول رفض المورّدين تسليم المستلزمات الطبية للمستشفيات، ناقلاً الإتهام الى عهدة المستشفيات: "بعض المستشفيات ترفض شراء المستلزمات الطبية لمعالجة مرضاها ما لم تحصل على حسم بمثابة ربح إضافي". والحسم الاضافي المقصود هنا هو الحسم الذي تحدده اتفاقات بين الشركات الموردة والمستشفيات، الأمر الذي يوضحه رئيس نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون لـ"المدن". إذ يقول "هناك اتفاقات بين الشركات الموردة وبين المستشفيات حول الحسم الفعلي"، مشيراً إلى ان النقابة ستصدر خلال يومين بياناً تعقّب فيه على بيان المستوردين.
لماذا، إذن، قد تقبل هذه الشركات طوعاً بحسومات تعتبر نفسها غير ملزمة بها، لتلغي بالمقابل حسومات سبق واتفقت على قيمتها مع المستشفيات؟ 
جزء من الإجابة يوضحه كلام هارون الذي يجزم بأن "إيقاف الحسومات للمستشفيات غايته عدم إضطرار الشركات الى التوقف عن دفع الجعالات للأطباء، بما يتيح لهم مواصلة استعمال معدات الأطباء". علماً،  ان القانون واضح، كما يقول هارون، في منع الجعالات. أمّا الجزء الآخر فيتعلق بما حاول البيان انكاره، أي الزامية المذكرة بالنسبة للشركات، والا لكانت التزمت الطرق القانونية المتاحة أمامها لإبطال هذه المذكرة التي تمس بصالحها وتلحق بها أضراراً محددة.  
وفيما تجد المستشفيات مبرّر التمسك بالحسومات الاضافية، بتحقيق غاية ملحة الا وهي الحد من دفع الجعالات للأطباء، من خلال إجبار الشركات على الخضوع للحسومات على أشكالها، بما يؤمن للمستشفيات ربحية عالية! فالشركات المذكورة تجد لنفسها مبرراً يحررها من الحسومات بموجب الاتفاقية بينها وبين المستشفيات، استخلصته من خلال تفسيرها للنتائج القانونية للمذكرة الصادرة عن الضمان الاجتماعي. إذ ينص بيان نقابة تجار ومستوردي المعدات الطبية على أن المذكرة تحدّد "العلاقة التعاقدية بين الضمان الإجتماعي والمستشفيات حصراً، أي أن الأسعار فيها تمثل السقف الذي يحق للمستشفيات أن تستوفيه من مريض الضمان الاجتماعي عن هذه الأصناف، دون أي ربح أكان زيادة في الأسعار أو حسومات اضافية من الموردين". التفسير الذي تقدمه الشركات، والذي ينطوي على عبارتين متنافرتين، هما مريض الضمان الاجتماعي من جهة وربح وأسعار وحسومات من جهة أخرى، يوضح الخلفيات الاقتصادية البحتة للنزاع القائم في قطاع حساس محكوم بمواثيق مهنية وأخلاقية محلية وعالمية، خصوصاً أن المستشفيات الخاصة أيضاً لا تستبعد هذه التوأمة ما بين المريض والحسومات والربح. 
الخلاصة الوحيدة حتى الآن أن شرائح من المرضى تحرم حقها في الإستشفاء الى حين توصّل المستشفيات والشركات الى حل يوفّق بين مصالحها، بغض النظر عن المريض بطبيعة الحال. 
 
increase حجم الخط decrease