الجمعة 2014/04/18

آخر تحديث: 09:49 (بيروت)

حلاوة روح: قصة منع غير عادية

الجمعة 2014/04/18
حلاوة روح: قصة منع غير عادية
increase حجم الخط decrease
 "المشهد ليس مجموعة من الصور، بل علاقة اجتماعية بين البشر، تتوسطها الصور" (جي ديبور)
 
تماما كأيام الملل العظيمة التي سبقت ثورة يناير، صار فيلم "حلاوة روح" لهيفاء وهبي، حديث القاهرة منذ أيام. ابتعدت السياسة شيئاً فشيئاً من الاهتمام العام، وتصدرته أخبار من نوعية قصة الممثلين زينة وأحمد عز، أو قناة "سما المصري" التي تحوز نشبة مشاهدة عالية، ثم أخذت هيفاء بالعودة الحميدة بعد انقطاع ليس بالطويل، بعد الحلقة المدوية التي اشتركت فيها مع الممثل ومذيع برامج المقالب السمج، رامز جلال، في رمضان الماضي، والسباب والركلات التي انطلقت من "المُزّة" كسهام غضب من المقلب الثقيل. حازت الحلقة نسبة مشاهدة عالية في التلفزيون و"يوتيوب". ولم يكد يمر شهران، حتى ظهر "التريلر" أو الشريط الدعائي لفيلم "حلاوة روح" وبتطابق واضح مع أحد أشهر مشاهد فيلم "مالينا"، للمخرج جيوزبي تورناتوري وبالطبع الممثلة الساحرة مونيكا بيللوتشي. وعاد الجدل حول الفيلم وهيفاء واسم الفيلم، وتساؤلات حول كيف سيتم "تمصير" الفيلم، ومقارنات بائسة بين مونيكا وهيفاء. 
 
التشويق في القصة لا يتوقف عند هذا الحد، فمنتج الفيلم قرر تقديم موعد عرض الفيلم، من 21 إلى 8 نيسان/ابريل الجاري، قبل معمعة الانتخابات الرئاسية وعودة السياسة إلى تصدر الأحداث، ليشهد إقبالاً منقطع النظير، وتزاحماً وشجاراً (شجار حقيقي لا مجازي!) على شبابيك التذاكر، ليحصد عن كل يوم عرض مليون جنيه. وذلك بالتزامن مع الجدل حول منع عرض فيلم "نوح" لأرنوفسكي. لكن الحديث حول الفيلم كان الشغل الشاغل لمواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية الحوارية وبعض محبي الشهرة، أمثال "المرشح الرئاسي" مرتضى منصور!
 
هبّت منظمات مدنية وحقوقية، رفضاً للمشاهد ذات الطابع الجنسي، التي تجمع هيفاء وهبي بطفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره. وبحسب الائتلاف المصري لحقوق الطفل، فإن الفيلم انتهك سبع مواد من قانون الطفل ويُعرّض أخلاقه للخطر، من بينها أن الطفل الذي قام بدور البطولة عمره أقل من 15 عاماً، والقانون يحظر عمل الأطفال قبل بلوغ 15 عاماً. كما انتفض المدافعون على "الأخلاق وقيم المجتمع المصري" لأن الفيلم "يخدش الحياء".. إلى هنا وكل هذا الجدل متوقع والدعوات لمقاطعة الفيلم ومنعه لم تمنع أن يحصد الإيرادات ويصير الشغل الشاغل، بعيداً من المسرحية الرئاسية وبطلها السيسي وصبيانه. 
 
... إلى أن حلّت اللحظة الأكثر درامية، وبطلها رئيس الوزراء إبراهيم محلب، الذي أبى إلا أن يكون جزءاً من المشهد، فأعلن منع الفيلم حتى عرضه على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية لاتخاذ قرار نهائي في شأنه. الأمر الذي أجج الأحاديث حول الفيلم، ووصل بها إلى ذروتها. فمن جهة، هناك المؤيدون والمشجعون لقرار محلب، إذ قال المخرج أحمد علي مثلاً: "ربنا يكرمك والله البلد مش ناقصه إسفاف وتدني أخلاقي"، وزاد عليه المؤيد المتذاكي المغني والممثل حسين الإمام: "رغم سعادتي بالقرار لكني أتحفظ على اتخاذه بواسطة رئيس الوزراء، المفروض القرار يطلع من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، عايزين كل واحد يعمل شغله، ما تبقاش الحكاية سلطة"... وكأن لسان حاله يقول: "حتى لا يصدعوا رؤوسنا بحديث تعدي الحكومة على الحريات والإبداع". ومن جهة ثانية، هناك الفريق المعارض، وحجّته المنطقية أن المنع لا يجوز بأشكاله كافة، فقال الناقد طارق الشناوي: "أنا لست مع فيلم حلاوة روح ومعارض له فنياً بشدة، لكني، في الوقت نفسه، لست مع مصادرته من قبل أي جهة، لأنه ببساطة إذا تم فتح هذا الباب لن نستطيع إغلاقه مرة أخرى، وسنجد كل جمعية ومنظمة ومجلس، ليس لها أي دخل بالعملية الفنية، تطالب بوقف هذا العمل ومصادرة ذاك، لمجرد التحفظ على بعض المشاهد، وهذا لا يجوز إطلاقاً". 

هل-مشهد-اغتصاب-هيفاء-وهبي-سيمنع-حلاوة-روح-من-العرض؟-904331.jpg
هيفاء وهبي في مشهد من الفيلم
 
في "فايسبوك" و"تويتر" لا تختلف الصورة كثيراً، إلا في حدّة اللغة تعبيراً عن الامتعاض من القرار أو تأييده والفرح به. وصنّاع الفيلم يدلون بتصريحات متحفظة، وهيفاء تعيد نشر تغريدة من أحد المعجبين: "بلا حكومة بلا بطيخ، اشتغلت الغيرة في قلوب بعض الناس، بس فشروا! ما حيوقفوا فيلمها، هذه هيفاء مش أي حدا".
 
لكن الفيلم أوقف فعلاً، إلى حين عرضه على الرقابة، بعدما كان قد عرض عليها أولاً وأوصت بكتابة عبارة "للكبار فقط". غير أن عرضه الثاني، سيكون بعين رئيس الوزراء، حامي "الأخلاق والفن الرفيع".
 
قصة الفيلم وهيفاء وهبي وقرار الحكومة، قصة بؤس ثقافي سياسي مركّب: بين نجمة مذعورة من تقادم الزمن بلا أي رصيد من موهبة، غير جسد يعطيها مساحة خيالات ملتهبة لعقول متلصصة، وفيلم يعيد إنتاج فيلم لأيقونة جمال في محاولة صنع أيقونة مماثلة ويداعب أحلام البورنو في عقول الشباب، وحكومة غير معنية حقيقة بالأخلاق لكنها تداري فشلها في المشاكل الجوهرية في الكهرباء والبترول والسولار لتحاكي وجدان الطبقة الوسطى بتكلسها الأخلاقي وتعاليها المتوهم. 

655332014416105-(1).jpg
 
يقيناً، فإن الخوض في مسألة المنع أو مناقشتها، ضرب من ضروب الخرف. وأي قرار يترتب عليه أي إجراء سلطوي يحدّ من حرية، مرفوض جذرياً وبلا مناقشة. والحديث عن تحفظ على مشاهد جنسية "غير مبررة درامياً" في سياق العمل الفني، نوع من التذاكي والتعالي الأخلاقي الملتف، ويحمل في طياته هوساً جنسياً مستتراً، مشغولاً بعدد الدقائق التي تنكشف خلالها ساقا امرأة على الشاشة (ناهيك عن أن غياب المبرر الدرامي لا يبرر المنع!). ويقيناً أيضاً، إن صنّاع الفيلم يحاولون تقديم الخلطة التي لا يعرفون غيرها، والتي حققت لهم نجاحاً هائلاً طوال السنوات الثلاث الماضية (حارة وحيوات متجاوزة وأغنية شعبية وبعض المشاهد الجريئة). لكنهم، هذه المرة، زادوا جرعة الجرأة لتناسب لهفة استراق النظر إلى جسد هيفاء وهبي... عملية تسويق مضمونة النجاح، إذ لم يروا من فيلم "مالينا" (حيث السينما بحق) سوى مشاهد التعري، كما تندّر أحد الشباب قائلاً: "تلاقيهم ماشافوش من الفيلم غير السكس". 
 
هو المجال العام السياسي، الذي ينغلق شيئاً فشيئاً، والإحباط العام في نفوس الجميع، والبنية التحتية المتداعية، إضافة إلى خمول صناعة السينما.. باستثناء تلك الأفلام التجارية الستة أو السبعة التي ينتجها السبكي ويحافظ بها على الرمق الأخير من صناعة محتضرة. 
يقدم المشهد نفسه هذه الأيام على أنه المجتمع كله، كما يقول جي ديبور. فقصة الفيلم ومنعه وما حوله، ليست قصة منع عادية، بل قصة انحطاط وبؤس في بلد لا يستطيع غير ذلك هذه الأيام.
 
increase حجم الخط decrease