الأحد 2014/04/13

آخر تحديث: 22:56 (بيروت)

ذكريات شبح متقاعد

الأحد 2014/04/13
ذكريات شبح متقاعد
زائرة الضوء التي لا تحضر أو تغيب
increase حجم الخط decrease
 تتساوى المبارحة مع المكوث في صور ريتا سعادة المعروضة حتى 26 نيسان في المركز الفرنسي. إذ يجمعها، بالإضافة إلى نقيضها، فعل آخر، وهو الزيارة، التي تحرك المشهد، وتركزه حول الشبح الحاضر داخله. فبحسب موقعه، من الممكن للعين أن تلتقط تفصيل المكان، الذي غالباً ما يشوبه التقادم بعلامة تقشّر الطلاء عن جدرانه، ومرور وقت طويل على متاعه. هذا، ما يذهب به إلى حدّ التحول إلى خشبة مسرحية، تقصدها الأشباح بغاية الوقوع على أجل ماضي، أو بهدف الإخلاء. بالتالي، تسلسل سعادة معرضها في أربعة وجهات، في الأولى، تثبت شخصياتها الشبحية (ثمة أحد هناك)، وفي الثانية، تعرّفها أو تسمّيها بحسب نورها (كائن الضوء)، وفي الثالثة، تدخلها إلى عالمها (منزل)، أما، في الرابعة، فتعلقها بمآل محدّد (بحثاً عن طفولة ضائعة).

لذا، لا يغيب "كائن الضوء" من صورة إلى أخرى، بحيث أن الفنانة، وباعتمادها الالتقاط الأسود والأبيض، تجهّز المشهد على طريقة ملائمة لاستضافته، التي قد تقع من باب المغادرة. فحتى لو كان غير مرئي في الغرف، لا يعني ذلك أنه لم يزرها من قبل. على العكس، في هذه الحال، يبلغ ذروة حضوره، إذ أنه كلما بارح المكان يشعّ أكثر، ويقترب من جسمه، الذي "يضوي" إلى عالمه الخاص. فللحظة، يظنّ المُشاهد أن السلسلتين الأولى والثالثة، تستقرّان على تعارض متعلّق بالأُهول أو عدمه، لكنه، سرعان ما ينتبه إلى أن هذا التناقض لم يستوفِ شرطه، خصوصاً أن المسرح الفوتوغرافي، الذي تختاره سعادة، يدور حول شبحيته، وبالتالي، يتألف إثر زيارة "كائنات الضوء" له، التي تعبره بالربط بين غيابها وحضورها، بلا أن تقيم في حال دون آخر. 
 
فهي، وبوصفها أشباحاً، لا بدّ أن تكون حاضرة في سابقٍ ما، وغائبة في الآني، وبالتوازي مع ذلك، لا تنتمي إلى الماضي أو الحاضر، بل لها وقتها "الضوئي"، تحاول المصوِّرة إظهاره على أنه خط واحد، متسلسل، وغير مقسوم. بالفضل عن سعي كاميرتها إلى تجسيم هذا الوقت على أساس المكان، الذي يبدو، في بعض الصور، كأنه جسم "كائن الضوء"، المتفسّخ والمشقّق، أو المطمئن والوثير. فتوازن، بأسلوبها، بين عناصر المشهد، وبالفعل نفسه، تتيح للزيارة أن تقع بدون أي خلل في ظروفها. مع العلم، أن هذه الزيارة قد تكون مسبوقة بواحدة أخرى، مماثلة لها، من ناحية شخصياتها، كأن الفنانة تحشد الزائرين في استديو التصوير، كي تلتقط لهم صوراً، لا يظهروا في بعضها، وبذلك، تشير إلى سؤال متّصل: هل استضافة شبح واحد في الصورة، تعني استضافة كل الأشباح؟ 
 
ربما، بمقدور العين أن تقع على أكثر من "كائن ضوء" واحد  في تلك الصورة، حيث تقف طفلة شبه ممحية الجسم، إلى جانب كرسي فارغ، كان قد جلس عليه أحدهم قبل أن يغادره. لكن، وقوف "كائنة الضوء" أمام هذا الخلاء، يسترجع الغائب، ويجلسه على خط ضوئي. فيصير بدوره شبحاً، يخرج من الماضي، كي يحوّل المشهد إلى ذاكرة، لا يستطيع شبح واحد أن يسكنها بلا أن يتكاثر إلى درجة الاختفاء.
 
والحق، أن صور سعادة تظهر، في جانب من جوانبها، كأنها عبارة عن ذكريات شبح متقاعد، يرغب في العودة إلى "منزله"، الذي ما أن يصل إليه حتى يصبح غير بائن، لأنه، في النهاية، يدخل إلى عالم ذاكرته، المأهول بالأشباح. هذا ما يدلّ عليه تصوير المصوّر، الذي تعتمده الفنانة في صورةٍ، ترتفع داخلها صور فوتوغرافية، وعنوانها "souvenirs". فمن الممكن القول، من هذه الناحية، إن "كائن الضوء" هو الذي ثبّت هذه اللقطة، بفعل التذكر، وبالتالي، ما عاد مرئياً أمامها. ذلك، لأنه، أولاً، المصوِّر، وثانياً، لأن حضور الأشباح داخل الكادرات يشترط اختفاءه.

في النتيجة، تصحّ الإشارة إلى أن "كائن الضوء"، الذي يتسلسل فوتوغرافياً في معرض سعادة، لا يمكن أن يكون وحيداً، فما أن يحضر حتى يتكاثر مماثلوه من حوله، ولكي تحضر "كائنات الضوء" تلك، وتجتاح المكان، لا بدّ أن يصبح غير مرئي. ذاك، كي يقدر على استرجاع "الطفولة"، وعلى إتمام الزيارة، التي، ولأن فاعلها شبح، لا يمكن أن ترسو سوى على خاتمة من "ضوء"، أي على بداية جديدة.
 
increase حجم الخط decrease