الثلاثاء 2014/04/08

آخر تحديث: 05:15 (بيروت)

منيرة الصلح: الرسم يكسر الحدود

الثلاثاء 2014/04/08
منيرة الصلح: الرسم يكسر الحدود
increase حجم الخط decrease
 السوريون في لبنان ليسوا نازحين وضحايا ومنكوبين فقط. باتوا جزءا من المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي. ذلك الجزء الحاضر كمتفرّج وزائر من جهة وكموضوع من جهة أخرى. "بورتريهات عن خمسين لاجئاً سورياً، هو مشروع قيد الإنشاء، سأستكمله بعد انتهائي من 1000 بورتريه"، تقول الفنانة اللبنانية منيرة الصّلح في لقاء مع "المدن". 
 
"عسيرة هي اللغة الأمّ"، عنوان معرضها الأخير الذي افتتح قبل أيام في "غاليري صفير زملر" ويستمرّ لغاية 19 تموز. المعرض الذي اختارت الفنانة لإقامته مكاناً "بعيداً" عن إيقاع الحياة البيروتية، إذ لم تقمه في إحدى صالات العرض المنتشرة على طول شارع الجميزة- مار مخايل وفي زواريبه المخفية. اختارت مكاناً حيادياً في بناء يتوسّط مطاحن ومعامل في الكرنتينا. وللوصول إلى الغاليري في الطابق الرابع، سيتطلّب الأمر الدخول إلى مصعد يدوي كأنه، واسع، مخصّص لاستيعاب السيارات. يتحرك المصعد ببطء وتمهّل. يستغرق زمناً قبل الوصول إلى الطابق الرابع حيث يفتح بابه الجرّار الصدئ، فتظهر الغاليري. وأول ما يصادفه الزائر هو مجموعة كبيرة من "القباقيب" الدمشقية من كافة المقاسات تفترش الأرض في انتظار أن يخلع الناس أحذيتهم لينتعلوها ويتجوّلون في المعرض مصدرين تلك الأصوات التي تذكّر ب"حمام السوق" الدمشقي وبمسلسلات غوار الطوشة الشهيرة. وقد تبدو الفكرة في البداية "كليشيه" إذ تربط الفنانة ذاكرتها عن دمشق وهي لأمّ سورية دمشقية، بالقبقاب التقليدي. الأمر الذي تنفيه الصلح مبرّرة استخدامها لتلك القباقيب بالرمزية التي تكمن وراءها كفكرة وليس كتراث. "أحضرت القباقيب من دمشق. لأنني نشأت في أجواء دمشقية بين جدّتي وأمي وامرأة من السويداء كانت تعيش معنا إسمها فطومة. رغبت بابتكار طريقة تجعل الزائر جزءاً من المشكلة والمأساة وليس مجرّد متفرّج. عندما ينتعل القادم القبقاب، كأنه بذلك يرتدي المشكلة فيصبح جزءاً من المعرض. كما أن الأمر فيزيائي أيضاً، إذ أن الزوّار يرتدون القباقيب واحداً بعد الآخر وبالتالي يتبادلون الإحساس بأقدام بعضهم البعض". 
 
وعن مشروعها الذي بدأ بخمسين بورتريه للاجئين سوريين، ترسمهم منيرة على أوراق صفراء مسطّرة وتدوّن حول الرسوم بعض الملاحظات التي تختصر حالهم، تقول منيرة إنه جزء من مشروع أوسع وإن الفكرة بدأت "عندما التقيت في برمانة بمجموعة من اللاجئين من مخيّم اليرموك في دمشق ثم تعرّفت عبرهم على مجموعة أوسع لجأت إلى منطقة الجنوب. سوريون من درعا وحمص وإدلب وطرطوس واللاذقية ودمشق ووادي النصارى". 
 
لم تعر الصلح كبير اهتمام بمواقف اللاجئين من ثورة بلادهم، كونهم في نهاية المطاف ضحية للإجرام. فهم اضطروا لمغادرة بيوتهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية. "كشخص يعيش في لبنان، أشهد مثل غيري قدوم السوريين إلى لبنان، منهم الغني ومنهم الفقير، الموالي والمعارض. لدي فضول للتعرّف إليهم وإلى حيواتهم وأحلامهم. أحترم تجاربهم وأقدّر هول الماساة التي عاشوها ويعيشونها". 
 
MT6A4706.JPG
 
ذلك الفضول بالتعرّف إلى الآخر القادم إلى لبنان مع أغراضه وكومات من المصائب والمآسي والحكايات، حمل منيرة على تخصيص جزء عظيم من معرضها للحديث عن الثورة السورية مع أنها كانت متحفظة في البداية لأن "الأمر ليس هيّناً. لا علاقة لي بالسياسة ولا أريد الخوض فيها. أعمل كشاهد على ما أراه هنا. ولا أدّعي أنني أقوم بمشروع عن "هناك" لأنني موجودة "هنا" ولم أعش ما عاشوه ويعيشه غيرهم بشكل يومي. كفنانة، هذا ما أستطيع تقديمه. الرسم يكسر الحدود ويتيح زمناً للتسلّل إلى أعماق الآخر. فأنا أرسم عينيه وأتأمل عظام وجهه ملياً، بينما يراني هو وأنا أرسمه". 
 
المعرض ضمّ إلى جانب تلك البورتريهات، لوحات ضخمة معروضة على حبال ليستطيع المتفرّج التقاط طرفيها. جانب منها تظهر فوق قماشه كلمة وفي الجانب الآخر كلمة أخرى تتكون من الأحرف ذاتها لكن بترتيب مختلف. فتصبح كلمة "بعث"، "عبث" مثلاً. وهذا الأسلوب يتيح للزائر اللعب مع خياله في اللغة العربية ومحاولة اكتشاف الكلمة الأخرى قبل الاطلاع عليها كاختبار لقدرة الخيال على ابتداع أضداد من الحروف نفسها. "هذه الفكرة مستوحاة من كتاب "كلمن" للمفكر اللبناني أحمد بيضون. وخاصة من الفقرة الأولى التي يذكر فيها العلايلي الذي كتب جدول دلالة الحروف".  
 
ضمّ المعرض أيضاً شريطي فيديو عرضا في مكانين مختلفين بين أروقة الغاليري. الشريط الأول بعنوان "والآن كُل نصّي" ومدته 23 دقيقة والثاني بعنوان "المتطوّعون" ومدته 31 دقيقة. يروي الأول تجربة عاشتها منيرة بعد قصف الغوطة بالكيماوي العام الماضي. عندما جاءت قريبتها من دمشق وفي صندوق سيارتها، ثمة خروف مذبوح احتفالاً بنجاح إبنها. طبخوا الخروف وأكلوا منه وكانت الغوطة تمور بالغازات السامة. لم تكن منيرة قادرة على الأكل من لحم الخروف إذ اختلطت عليها المشاعر. "صرت أفكر، ماذا نأكل بالضبط؟ جثث، أشلاء، دماء؟". وكان الخروف هو نقطة انطلاق فيلمها ذاك. أما الثاني فصوّرته في بلجيكا مع لاجئين يسجلّون أسماءهم في مركز لجوء ليتعلّموا اللغة ويشقّون طريقهم في حياة جديدة. وبذلك تدور موضوعات المعرض كلها حول مسألة اللجوء وما يرافقه من مشاعر وتجارب وحكايات. حتى اللوحة التي يظهر فيها جلياً الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد والسيّد حسن نصر الله، تصبّ في الموضوعة ذاتها. وكأن منيرة تقول إنهم السبب وراء هذه المأساة التي يعيشها معظم الشعب السوري. 
 
increase حجم الخط decrease