الخميس 2014/04/17

آخر تحديث: 07:12 (بيروت)

السويداء.. محكومة بالتاريخ والثورة

الخميس 2014/04/17
السويداء.. محكومة بالتاريخ والثورة
ملصق أعده نشطاء سوريون دعماً محافظة السويداء
increase حجم الخط decrease
 لم تتأخر الرسائل الموجهة إلى أهالي السويداء على ما اقترفه جمع من رجال الدين الدروز الأسبوع الماضي، حين تجرؤوا وواجهوا السلطة القائمة والمتمكنة في المحافظة حتى الآن. فالرد جاء أولاً عبر بيان منسوب لـ"جبهة النُصرة"، تعلن فيه بدأ عملياتها في السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
وقبل الخوض في خيارات النظام في رده على تحرك المشايخ، لا بد من الإشارة إلى ما حصل أمام مقام "عين الزمان"، يوم كان كل شيء لافتاً، في كل العناصر الظاهرة في المشهد. فأمام المقام الديني لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، اجتمع رجال كثر يعتمرون قلنسوات بيضاء على رؤوسهم، وسلاحهم مرفوع، وسط إطلاق نار حي، وغياب تام لعناصر الأمن والشبيحة. 
 
الاحتجاج أمام "عين الزمان" كان الأول من نوعه، إذ جاء هذه المرة من خارج إطار الحراك النخبوي الذي اتسمت السويداء به. 
فهو أول احتجاجٍ مسلّح، يطال السلطة القائمة في المدينة، ويطالبها بإقالة زعيم الاستخبارات العسكرية، الذي عاث فساداً وقتلاً وتهجيراً لشباب محافظة بقي من سكانها أقل من 300 ألف شخص تقريباً، جلّهم من النساء والأطفال والشيوخ.  شيء كهذا حصل في درعا 18 آذار 2011، دون أن يغيّر أو يؤثر على صلة القرابة بين الأسد وعاطف نجيب، الذي بقي مسؤولاً رفيعاً في أجهزة المخابرات. 
 
في فترات سابقة، وعندما كانت المحافظة تشهد تصاعداً في التظاهرات، كان رد النظام خارج السويداء. أغلب تلك الردود جاءت على شكل سيارات مفخخة استهدفت مدينة جرمانا. لكن، بعد تحرك المشايخ الأخير، صار النظام ملزماً بالرد داخل أسوار السويداء، ولا سيما أن المحتجين الآن، هم الذي كان النظام يرسل لهم الرسائل عبر تفجيرات في جرمانا، أو اختلاق مشكلات بين صحنايا وداريا، أو أي منطقة تقطنها أغلبية درزية، وأخرى سنية. 
 
بعد بيان "النُصرة" سقط صاروخ في أرض خالية، قرب شعبة التجنيد والملعب البلدي في المدينة الهادئة. مصادر الكتائب المقاتلة في درعا أكدت أن "النُصرة" لم تصدر ذلك البيان، كما أنها لن تصدر بيانا يكذّب ما نسب إليها. فهذا أسلوب تتبعته النصرة منذ تواجدها في المشهد السوري. عملية إطلاق الصاروخ، الهزيلة، تم تصويرها وبثها على "يوتيوب" باسم "النُصرة".  
 
جاء المقطع المصور خالياً من شعار "المنارة البيضاء" الذي تضعه "الجبهة" على أي عملية تقوم بها. مُصور المقطع، أقحم راية "النُصرة" في المشهد، لكنه لم يمتلك حرفية الإعلام الجهادي، الذي تتقنه "النّصرة". فالدلالات على هذه الحرفية يمكن ملاحظتها في أي عملية مصورة لـ"النُصرة" وممهورة بشعار "المنارة البيضاء"، ثم أن الرجل الذي يشرح ما الذي يحصل في المقطع، يقول إن "الجبهة" تقوم "بدك معاقل النصيرية والشبيحة والأمن العسكري في السويداء". تلك المعاقل لا وجود لها في السويداء، فالمدينة اليوم تحتضن، سنة درعا النازحين، وما بقي من سكان المدينة.
 
أمر آخر يمكن ملاحظته، هو أن المقطع يحتوي في أسفله نصاً يشير إلى حساب على "تويتر". هذا الحساب تم إنشاؤه ظُهْر 16 نيسان/أبريل الحالي، ولا وجود في الحساب الذي يتابعه 30 شخصاً سوى مقطع مصور واحد، هو مقطع إطلاق الصاروخ على "معاقل النصيرية" في السويداء.
 
يوضح رد النظام السريع، مدى الصعوبة اليوم، في افتعال مشكلة مباشرة مع السويداء، الأساس في المشكلة هو فرع الأمن العسكري. الفرع أرسل مراراً جثامين معتقلين من أبناء السويداء إلى ذويهم بعد أن قضوا في أقبيته تحت التعذيب. استخدام ورقة "النُصرة" قد يكون جيداً في مرحلة أولية، قد لا تقوّض تحرك المشايخ بشكل كامل، لكن على الأقل يمكنها أن تمنع تصاعد الحراك أكثر من ذلك. للجبل تجربة مريرة مع "النصرة"، ومخطوفين من أبنائه عندها. 
 
الأجواء ما تزال مشحونة، والمشايخ أصدروا بياناً من بلدة المزرعة، تلك التي تحمل رمزية عندهم، إذ خاض الثوار فيها أهم معاركهم ضد المحتل الفرنسي عام 1925. بيان المشايخ الممهور بتوقيع الشيخ وحيد البلعوس، المعبر عنهم، يطالب أن توقف الدول إرسال مواطنيها "أفراداً ومجموعات وأحزاباً ومليشيات" هنا إشارة بيّنة لحزب الله، الذي يحاول كثيراً إيجاد أرضية له في السويداء، لجعلها منطلقاً لعملياته العسكرية ضد المحافظة السنية المجاورة. أضاف البيان إدانة واضحة وللمرة الأولى لقتل المعتقلين تحت التعذيب في الأقبية الأمنية.
 
كذلك، يدعو البيان "جميع أبناء الطائفة إلى لمّ الشمل وجمع الكلمة ورص الصفوف والتعاون جميعاً من دون تمييز بين روحاني وزمني لصد كل عدوان على جبلنا، ولايبقى الحمل على المشايخ وحدهم". ويشدد "نحرم التعدي منا ونحرم التعدي علينا". يعتبر ذلك التحذير الأقوى ضد محاولات النظام إقناع الشيوخ بتشكيل مليشيات تساند قوات النظام في درعا. أبرز تلك المحاولات قادها رئيس جهاز الاستخبارات الجوية، اللواء جميل حسن في أيار/مايو 2013، حين حاول الدخول من باب مشايخ الصف الثاني، تحديداً الشيخ وحيد البلعوس، الذي رد مبعوثي حسن إلى دمشق خائبين بقوله لهم "انتو دقيتو الباب الغلط ، نحن لا نقتل ولا نعتدي على أحد"، بحسب ما يروي مقربون منه.
 
تراكمات ما حصل، جعلت الأمر يتطور إلى تحرك مطلبي. وهو ما لم يعتد عليه النظام في السويداء. المسألة خرجت عن كونها مشكلة محلية. الآن طالت جوانب سياسية ورسائل واضحة للعاصمة، بعدما كثر الحديث عن إشارة جاءت للحليف الوفي وئام وهاب لزيارة السويداء وتهدئة الأمور. فقال البيان متحدثاً عن وهاب "زياراته تزيد من الإحتقان والتحريض، وتجعلنا نحيد عن توازن العلاقة مع إخوتنا السوريين، ولهذا نؤكد عدم رغبتنا باستقبال أي شخصية تزيد من فاتورة الدم السوري"، وأوصى، في ما يخص مظاهر الاحتفال بترشيح الأسد لولاية جديدة "تحييد مشايخ الدين والنساء المتدينات عن الظهور في كل مسيراتها واحتفالاتها (الدولة)". 
 
السويداء اليوم في موقع متقدّم عمّا كانت عليه سابقاً. بيان المشايخ جاء واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك أنهم ليسوا بصدد تشكيل مليشيا طائفية. قالوا بشكل واضح إنهم يحملون إرث أجدادهم، قادة التحرر من الاستعمار الفرنسي، الذين قاتلوا ظهراً إلى ظهر مع ثوار الغوطة ومجاهدي سوريا. ذلك يكفي الجبل المحاصر اليوم بالتاريخ والثورة.
increase حجم الخط decrease